المنفيون اختياريا و حق العودة في سياق العدالة الانتقالية

 

مقدمة

تسعي العديد من الدول التي شهدت فترات طويلة من الحكم الاستبدادي او الصراع السياسي الي تنفيذ العدالة الا جتماعية كجزء من عملية التحول الي الديمقراطية ، تشمل العدالة الانتقالية معالجة الاضرار الناتجة عن الانظمة السابقة بما في ذلك تقديم تعويضات للضحايا و اعادة بناء الثقة بين الحكومة و المواطنين و محاكمة المسئولين عن الانتهاكات ، احدالجوانب الهامة في هذا السياق هو التعامل مع المعارضين المنفيين اختياريا الذين غالبا ما يكونون جزءا اساسيا من العمليات السياسية بعد التغيير ، هؤلاء المعارضون يتعرضون غالبا للاقصاء او التهميش في اطار عمليات العدالة الانتقالية مما يؤدي الي تحديات سياسية و قانونية معقدة

و تهدف هذه الورقة الي استكشاف العلاقة بين العدالة الانتقالية و المشاركة السياسية للمعارضين المنفيين و ضرورة ايجاد حل لعودة هؤلاء المعارضين الي بلادهم للمشاركة الايجابية في العملية   السياسية عن طريق ادماجهم في عملية المصالحة السياسية

نفي اختياري ام اجباري ؟

يمكن تلخيص تعريف المنفيون علي انهم الذين قرروا مغادرة بلادهم بسبب القمع السياسي او الظلم من النظام الحاكم حيث اختاروا المغادرة حماية لانفسهم او تجنبا للملاحقة القانونية لسواء بصدور اوامر بالقبض عليهم او صدور احكام قضائية ضدهم في قضايا سياسية ملفقة

وفقا لهذا التعريف نستطيع القول بان هذا النفي يعتبر نفيا اجباريا لعدم توافر الارادة الحرة للشخص الذي قرر الهروب خارج البلاد  في البقاء داخل البلاد لان الاعتقال هو البديل للهروب و هو بين خيارين لا ثالث لهما الاعتقال او الهروب خارج البلاد

الحالة المصرية

في مصر و بعد ثورة 2011 كانت هناك مطالبات واسعة بعودة المعارضين المنفيين لكن لم يتم ضمان عودتهم بشكل كامل في ظل استمرار القمع السياسي بعد الانقلاب العسكري في 2013

و في السنوات الاخيرة شهدت مصر تصاعدا كبيرا في حملات القمع ضد المعارضين السياسيين و النشطاء الحقوقيين مما دفع العديد منهمالي الفرار الي الخارج بحثا عن الامان و الحماية يشمل هؤلاء المعارضين : الصحفيين و النشطاء السياسيين و المحامين الحقوقيين و كذلك الناشطين في مجال حقوق الانسان ، بعضهم لجأ لدول الغرب التي تمنح اللجوء السياسي بينما اختار اخرون الانتقال الي دول عربية و افريقية

العديد من المعارضين السياسيين الذين هاجروا الي الخارج عملوا علي نشر قضيتهم علي الساحة الدولية و اشارة الي قضايا انتهاكات حقوق الانسان في مصر علي الصعيد الدولي

الصعوبات التي تواجه المعارضون المنفيون

المعارضون المنفيون يواجهون العديد من الاشكاليات و الصعوبات التي تؤثر علي حياتهم الشخصية و السياسية و من ابرز هذه التحديات
   اطرق المغادرة

لا يملك معظم المعاضون الراغبين في مغادرة البلاد رفاهية اختيار الطرق الشرعية للمغادرة و التي تعرضهم في اغلب الاحيان الي التوقيف في اثناء العبور سواء من المطارات او النافذ البرية الامر الذي يؤدي الي اعتقالهم و التحقيق معهم من قبل السلطات و من ثم يتعرضون للسجن لذلك لجأ العديد من المعارضين الي مغادرة البلاد باستخدام طرق غير شرعية تعرضهم لمخاطر تصل الي حد الموت او ان يلقي المعارض مصيرا مجهولا يجعله في عداد المفقودين لا يعلم ذويه هل مات او اعتقل ولعل حالة الناشط البرلماني المصري مصطفي النجار هي مثال حي علي خطورة هذه الطريقة

بالتنكيل بأهلية المعارض

هناك امثلة كثيرة علي قيام السلطات بالقبض علي اهلية المعارضون المنفيون للضغط علي المعارض لاسيما المعارضون النشطين في مجال حقوق الانسان و الذين يقومون باثارة قضايا حقوق الانسان  في مصر علي الساحة الدولية مثل حالة الناشط احمد جمال زيادة الذي تم اعتقال والده و لفق له قضية سياسية و الناشط عبد اللع الشريف و الذي تم اعتقال اشقائه  ، و الوزير السابق محمد محسوب الذي قامت السلطات باعتقال شقيقته حسية محسوب  ، و ما حدث مع شقيق وائل غنيم من اعتقال

جالصعوبات القانونية

يتعرض المنفيون للعديد من التحديات القانونية مثل صعوبة الحصول علي تصاريح اقامة او تصاريح عمل في البلدان التي يقيمون  فيها فضلا عن التحديات القانونية التي قد تنشأ بسبب انظمة اللجوء و الهجرة المعقدة و ايضا تعنت السلطات في مصر في منحهم الاوراق اللازمة سواء من داخل مصر او من السفارات الموجودةداخل البلدان التي غادروا اليها

د الانعزال الاجتماعي

قد يواجه المعارضون المنفيون صعوبة في الاندماج في المجتمعات الجديدة بسبب الحواجز الثقافية او اللغوية او الحرفية كما يواجهون صعوبة في بناء شبكة دعم اجتماعي

هالتشتيت العاطفي و النفسي

يعتبر النفي مصحوبا بتجربة معاناه نفسية حيث يشعر المعارضون بالغربة و الحنين للوطن و الاهل و قد يؤثر ذلك علي صحتهم النفسية

والضغوط الاقتصادية

المتمثلة في الصعوبات المالية  بسبب فقدانهم في بلدهم الام او عدم تمكنهم من الحصول علي فرص عمل جيدة في البلد الضيف

لالتعرض لحملات التشويه

تلجأ الحكومة لاستخدام ادواتعا الاعلامية الي تشويه سمعة المعارضين المنفيين من خلال حملات اعلامية و ترويج الاكاذيب باتهامهم بالخيانة و تشويه صورة البلاد في الخارج

نالصعوبات القانونية الدولية

قد يجد المعارضون المنفيون صعوبة في الحصول علي الدعم من المنظمات الدولية خاصة اذا كانت هناك تعقيدات تتعلق بالحقوق القانونية او بالتحقيقات الدولية

كل هذه الاشكاليات تجعل من حياة المعارضين المنفيين رحلة شاقة و معقدة تتطلب الكثير من الدعم و  التضامن علي الصعيدين الوطني و الدولي

الحوار الوطني المصري و آمال المنفيين في العودة

دعت الحكومة المصرية الي ما يسمي بالحوار الوطني في ابريل 2022 و كان لدي الكثير امل في ان يتم مناقشة قضية المعارضين المنفيين و الخروج بمخرجات تضمن عودتهم الي البلاد بعد اسقاط التهم الموجهة اليهم و ايجاد ضمانات كافية للعودة الامنة ، ولكن غياب الارادة السياسية الجادة  جعل هذا الحوار مجرد فاعلية شكلية استخدمتها السلطة في مصر لمغازلة الرأي العام الدولي

:التحديات التي تواجه عودة المعارضين

تشير تقارير منظمة العفو الدولية الي ان حوالي 100000معارض سياسي مازالوا في المنفي منذ الانقلاب

االتحديات القانونية لا توجد ضمانات قانونية تضمن حقوق العودة للمنفيين مما يجعلهم عرضة للملاحقة السياسية عند العودة فلا بديل عن اسقاط جميع التهم السياسية عن المعارضين المنفيين و اسقاط الاحكام الصادرة ضد البعض

بالتحديات السياسية غالبا ما تعارض بعض القوي السياسية خاصة تلك التي كانت جزءا من النظام السابق عودة المعارضين او مشاركتهم في الحكومة

جالمصالحة المجتمعية قد يشعر العديد من المواطنين بان عودة المعارضين قد تشكل تهديدا استراتيجيا لبعض المصالح الخاصة في الدولة

تجارب دولية في عودة المعارضين المنفيين

اولا : تجربة تونس

تجربة تونس بعد الثورة تشكل نموذجا يحتذي به في التعامل مع المعارضين المنفيين في سياق العدالة الانتقالية حيث تم تشكيل اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق و العدالة الانتقالية بعد الثورة و التي عملت علي اعادة الحقوق للضحايا وضمان عودة المعارضين ففي عام 2014 وافقت حكومة التوافق علي عودة العديد من المعارضين الذين كانوا في المنفي مما ساهم في استقرار الوضع السياسي في البلاد

ثانيا : تجربة جنوب افريقيا

من عام 1990 حتي عام 1994 عاد حوالي 20000من المنفي الي جنوب افريقيا و كانوا جزءا من بناء الديمقراطية بعد نظام الفصل العنصري

و يعد الافراج عن نيلسون مانديلا 1990 بعد 27 عاما من السجن خطوة اساسية نحو تعزيز العدالة الانتقالية  بعد ذلك تم انشاء لجنة الحقيقة و المصالحة التي شملت شهادات من المعارضين و المنفيين

من اجل ما سبق يكون تطبيق العدالة الانتقالية هو طوق النجاة للمعارضين المنفيين، فهذه القضية  تشكل جزءا اساسيا من عملية العدالة الانتقالية في الدول التي تمر بفترات انتقالية ،فتضميين هؤلاء المعارضين في عملية المصالحة السياسية يشكل خطوة هامة نحو بناء ديمقراطية و يجب ان تتضمن عملة العدالة الانتقالية ضمانات قانونية لعودتهم و المشاركة السياسية لهم

المصادر

تقرير العدالة الانتقالية و المعارضون المنفيون مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان

العدالة الانتقالية في مصر الاشكاليات ، التحديات مركز المبادرات القانونية

تقرير المعارضون المنفيون في جنوب افريقيا دراسة للحوار الوطني جامعة ستيليينوش

الانتقال الديمقراطي في تونس المعهد العربي للديمقراطية