العدالة الانتقالية

المفاهيم و الاليات

 

مقدمة

“كيف نحول الاخطاء الاخطاء البشرية عدلا بشريا “
مقولة لرئيس اساقفة جنوب افريقيا ديزمو توتو                                      

وفقا لهذه المقولة فان فلسفة العدالة الانتقالية تقوم علي كيفية تحول الاخطاء البشرية الي عدل بشري فالعدالة الانتقالية هي الخيار الوحيد و الانسب لحل مشكلات الماضي و علاج الاساءات التي  مست الكرامة الانسانية و ادمية البشر و الاعتراف بهذه الاتهاكات و السعي لعدم تكرارها و تقوم العدالة الانتقالية علي توثيق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي تم ارتكابها و غيرها من صور اساءة استعمال السلطة و كشف حقيقتها فضلا عن محاسبة المسئولين عن تلك الانتهاكات و التجاوزات  وتطهير مؤسسات الدولة ممن تورط في ارتكابها مع اصلاح المؤسسات بهدف منع تكرار مثل هذه الانتهاكات و تعويض الضحايا و توفير سبل الانصاف الفعالة لهم و كل ذلك في سبيل تحقيق المصالحة الوطنية و الانتقال الي تحقيق الديمقراطية و السلام الاجتماعي في اطار من الوفاق الوطني


تعريف العدالة الانتقالية

يتألف مصطلح العدالة الانتقالية من كلمتين الانتقال و التحول
الانتقال من نظام حكم مستبد الي حكم ديمقراطي

و يمكن تعريفها بانها مجموعة الاجراءات و التدابير او الاليات او العمليات التي تلجأ اليها دولة ما اثناء هذه الفترة بهدف تحقيق هذا الانتقال المأمول و هي ما بعد فترة الصراع او عدم الاستقرار السياسي و هو يهدف الي نسيان آلام الماضي و تجاوز الانقسام بين ابناء المجتمع و بناء الثقة بينهم و بين السلطة وصولا الي الوفاق الوطني و المصالحة الوطنية

تعريف الامم المتحدة للعدالة الانتقالية

هي مجموعة متكاملة من الاليات مرتبطة بالمجتمع و التي تهدف الي ازالة إرثا من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان و التي ارتكبت علي نطاق واسع في الماضي بحيث يكون تطبيق هذه الاليات من شأنه ضمان تحقيق المساءلة و خدمة العدالة و تعزيز المصالحة ومن ثم فان العدالة الانتقالية تتكون من مجموعة من الاليات و العمليات القضائية و غير القضائية و التي تشمل علي كل من مبادرات الادعاء و كشف الحقيقة و دفع التعويضات و الاصلاح المؤسسي و المشاورات الوطنية بشرط ان يتم المضي قدما في تلك الاليات وفقا للمعايير و الالتزامات القانونية و الدولية

الفرق بين العدالة الانتقالية و العدالة التقليدية
 يمكن القول بان فكرة العدالة قيمة مطلقة ولا يمكن انكارها او حتي تأجيلها تحت اي سبب فضلا عن كونها وسيلة التعويض المستقر عليها انسانيا حيث تعرف العدالة ” انها المساءلة و النزاهة في مجال حماية المجتمع و الدفاع عن الحقوق و المعاقبة علي الاخطاء فالعدالة يجب ان تراعي حقوق المتهم و مصالح الضحايا في المجتمع ككل
و العدالة الانتقالية تشترك مع العدالة التقليدية في احقاق الحق و اعادته الي اصحابه و في كشف الحقيقة و في جبر الضرر و تعويض الضحايا خصوصا لما له علاقة بالقضايا السياسية و المدنية العامة

و العدالة قد تأخذ واحدة من الصور النمطية التالية و التي ترتبط بمضمون العدالة الانتقالية
العدالة التصحيحية و يقصد بها تصحيح المظالم الناتجة مباشرة عن الصراع و هو المفهوم الاكثر ارتباطا بالعدالة الانتقالية

العدالة التوزيعية تهدف لمعالجة الظلم الهيكلي و المنهجي و الثقافي و الذي يؤدي الي عدم المساواه في التوزيع للمزايا المادية و المعنوية و غيابها في كثير من الاحيان يكون سبب الصراع العنيف

العدالة القانونية تهدف الي معالجة المظالم القانونية مثل التلاعب السياسي للنظام القانوني و الفسادفي السلطة القضائية وعدم الوصول الي العدالة و هذه الصورة المعتمدة علي النصوص القانونية هي الاكثر ارتباطا بالصورة التقليدية للعدالة

اما العدالة الانتقالية

:فتعني الفترات الانتقالية مثل

.الانتقال من حالة نزاع مسلح الي حالة السلم –

.الانتقال من حالة صراع سياسي داخلي رافقه عنف مسلح الي حالة سلم و استقرار-

.الانتقال من حكم سياسي تسلطي الي حالة الانفراج السياسي و الانتقال الديمقراطية-

.الانتقال من حكم منغلق الي حكم يشهد حالة انفتاح و اقرار بالتعددية –

.التحرر من احتلال اجنبي باستعادة او تأسيس حكم محلي –

آليات العدالة الانتقالية

اولا : الكشف عن الحقيقة (لجان تقصي الحقائق )

لجان الحقيقةهي لجان تقوم بتحقيقات رسمية في انماط الانتهاكات التي وقعت في الماضي لوضع سجل تاريخي دقيق لما وقع من الاحداث و يعتبر انشاء لجان الحقيقة تحديا كبيرا لان من شأنها ان تعمل علي انشاء اجهزة تحقيق قوية لكشف كل الحقائق المتعلقة بالعنف الذي ترتكبه جهات تابعة للدولة او جهات غير تابعة لها و التي كثيرا ما تتعرض للانكار الاخفاء او سوء الفهم
اسباب انشاء لجان الحقيقة

ا- اثبات الحقيقة بشأن الماضي
ب- محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الانسان

ج- توفر منبرا عاما للضحايا

د- تحفز علي النقاش العام

ه- توصي بتعويضات للضحايا

و- توصي بالاصلاحات القانونية و المؤسسية اللازمة

ل- تعزيز المصالحة الاجتماعية

ن- تساعد علي تعزيز التحول الديمقراطية

لجان تقصي الحقائق و المنظمات الغير حكومية

لجان تقصي الحقائق تعد بمثابة ادوات للمساءلة خلال المرحلة الانتقالية ،فقد اسهمت في تحقيق الشفافية و المساءلة ، و ساعدت علي دعم سيادة القانون . وقد يكون من الاسباب التي تدعو الي انشاء لجان تقصي الحقائق مطالبة الضحايا بالتصدي لتركة من الصمت ، و الاعتقاد بان اماطة اللثام عن الماضي يجعل المجتمع اقدر علي بناء مستقبل مستقر و ديمقراطي ، والرغبة في تهيئة قضايا معينة تمهيدا لتحريكالدعوي القضائية ، او ضرورة اتاحة الفرصة للضحايا للتحدث عما جري لهم ، او بناء قاعدة صلبة من الحقائق لوضع برامج التعويض و الانصاف من خلال الشروع في الاصلاح المؤسسي علي نطاق واسع ، او السعي صفحة الماضي بصورة حاسمة من خلال الاعتراف بالانتهاكات
و من ناحية اخري قد لا يكون انشاء لجنة تقصي الحقائق  ممكنا ، مثلما يحدث عندما لا يطالب احد بانشاءها او عندما يشعر الضحايا او المنظمات غير الحكومية او غيرها بأن اللجنة ليست هي الوسيلة المناسبة للتعامل مع الموقف ، او عندما تهيمن الجهات التابعة للدولة علي مساعي انشاءها فلا تترك فرصة لمشاركة المجتمع المدني بشكل جاد

ويمكن للمنظمات غير الحكومية ان تستغل الفترة التحضيرية في تعبئة الرأي العام و توعيته بضرورة انشاء لجنة لتقصي الحقائق ،و تحديد شكلها و الدفاع عنها و تجنب احتمالات زعزعة الاستقرار التي تنطوي عليها عملية تقصي الحقائق  . و حتي لو اتخذ قرار انشاء لجنة تقصي الحقائق بدون نقاش عام فان المنظمات غير الحكومية يمكنها ان تقوم بدور حيوي من شانه ان يحول تلك البادرة السياسية الي اجندة وطنية من خلال التشجيع علي اجراء مناقشات علنية مع العديد من الاطراف الفاعلة ، و هذا ما حدث في غانا من خلال جهود مركز التنمية الديمقراطية . اي ان اي حوار يتم في هذه المرحلة يجب ان تدخل فيه مختلف الاطراف الفاعلة و جماعات المصالح ضمانا للمشاركة الواسعة من جانب المجتمع

:العوامل التي تسهم في انجاح لجان تقصي الحقائق

وجود مطلب اجتماعي واضح و محدد : اي ان يري الضحايا و صناع الرأي الاساسيون ان انشاء لجان تقصي الحقائق جزء من مسعي اوسع نطاقا للمساءلة عن انتهاكات حقوق الانسان في الماضي

الارادة السياسية : التاييد من جانب القيادات الحكومية الرئيسية لانشاء لجان تقصي الحقائق

احكام صياغة الصلاحيات و الاختصاصات : اي ان يسمح القانون الذي تنشأ اللجان بموجبه بالتحقيق الصارم في ما حدث في الماضي

المعلومات المتاحة : تقديم المنظمات الغير حكومية و غيرها معلومات موثوقا بها لمساعدة اللجنة علي البدء في التحقيقات

توافر الموارد الكافية : توافر الميزانية و العاملين و القدرات المهنية اللازمة لاداء مهام اللجنة

دراسة حالة: دور المنظمات غير الحكومية في تشكيل لجنة تقصي الحقائق في سيراليون

بول جيمس ألن

في فبراير 1999 بدأت بعض منظمات حقوق الانسان في سيراليون -مثل المنتدي الوطني لحقوق الانسان ، و هو ائتلاف من منظمات حقوق انسان – حملة لدعوة اي اطراف قد تشارك في محادثات السلام المستقبلية الي التفكير في اقامة لجنة للحقيقة و العدالة و المصالحة . و تمت مناقشة هذا الراي و الاتفاق عليه في مؤتمر للسلام عقدته منظمات المجتمع المدني الوطني في مدينة فريتاون في ابريل 1999و بعد بضعة اشهر ، و بالتعاون مع عدد من المستشارين الدوليين تم انشاء مجموعة عمل اصبحت بمثابة مقاصة للمعلومات تعمل علي تغذية عملية تقصي الحقائق باراء المجتمع المدني و علي ضمان مراعاه اصوات مواطني سيراليون و رغبتهم في تشكيل اللجنة

و تضمنت المشاورات الاقليمية في المناطق التي امكن الاتصال بها في سيراليون عقد مؤتمر وطني تشاوري لمناقشة مشروع القانون الخاص بانشاء “لجنة الحقيقة و المصالحة ” ، و انتهي هذا المؤتمر الي انشاء مجموعات عمل اقليمية في الاقاليم السياسية الاربعة التي تنقسم اليها سيراليون . و نتيجة لهذه ال

جهود تم ادراج مخاوف المجتمه المدني المتعلقة بشتي القضايا مثل تشكيل اللجنة و عملية اختيار اعضاءها و مدة مباشرتها لوظائفها في القانون النهائي الخاص بانشاء اللجنة . و دخل مجلس الاديان المشترك عضوا في المجلس الاستشاري ، بينما دخل المنتدي الوطني لحقوق الانسان عضوا في لجنة اختيار الاعضاء ، و كان المجلس الاستشاري مكونا من ثلاثة  اعضاء يتعاونون مع منسق اختيار الاعضاء علي ادراج المرشحين لعضوية اللجنة في قائمة مختصرة

ومن العناصر الهامة الاخري التي اسهم بها المجتمع المدني ما قام به في مجال المعلومات و التوعية العامة فعلي الرغم من ان بعض الجهود كانت قد بدءت من قبل علي صعيد التوعية و نشر المعلومات العامة حول هذه العملية و ذلك في اثناء المشاورات التي سبقت اصدار القانون الخاص بلجنة الحقيقة و المصالحة ، فقد اشتد نشاط المنظمات غير الحكومية بعد فبراير 2000 فاضطلعت انشطة مختلفة و شاركت فانشطة اخري ، مثل التوعية و رسم خرائط مناطقالصراع و اجراء البحوث عن الانتهاكات و تحديد العناصر التقليدية للمصالحة و دور الزعماء التقليديين و تعزيز مشاركة  المقاتلين و الاهتمام بادخال النساء و الاطفال في برامجها و توفير الحماية لهم

دراسة حالة : المنظمات غير الحكومية و عملية اختيار اعضاء اللجنة في جنوب افريقيا

بعد ان قامت المنظمات غير الحكومية في جنوب افريقيا بدور بالغ الاهمية في صياغة القانون الخاص بانشاء لجنة الحقيقة و المصالحة عكفت علي صياغة قانون  اختيار  اعضاء اللجنة علي نحو يضمن النزاهة و مشاركة الجميع في هذه العملية 

و قام ائتلاف من المنظمات غير الحكومية باعداد مقترح خاص بعملية الاختيار و رفعه لوزير العدل عبد الله عمر و تم قبول المقترح كاملا دون تعديله
وتم توجيه الدعوة الي جميع المنظمات و الاحزاب السياسية و الكنائس و المجتمع المدني و الافراد لترشيح المؤهلين لعضوية اللجنة فطرحت قائمة باسماء 299 مرشح ثم تولت لجنة اخري باعداد قائمة مختصرة من المرشحين ثم عقدت جلسات عامة للمقابلات مع المرشحين ثم قامت لجنة الاختيار بامتقاء قائمة مختصرة تضم 25 شخص ثم قامالرئيس مانديلا بالتشاور مع مجلس الوزراء لاختيار 15 عضو من القائمة التي اعدتها لجنة الاختيار الي جانب عضوين اخرين لم يمرا بعملية الاختيار و تم تعيين رئيس الاساقفة القس ديزمون توتو رئيسا للجنة و دكتور اليكس مورين نائبا للرئيس

ثانيا : الاصلاح المؤسسي

يمثل إصلاح المؤسسات العمومية مهمة أساسية في البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية من الحكم التسلطي أو الصراع إلى الديمقراطية والسلام . ويتعين تحويل المؤسسات العمومية التي ساهمت في إدامة الصراع أو خدمة نظام الحكم التسلطي إلى مؤسسات تدعم الانتقال والسلام وتحافظ على سيادة القانون. فالمؤسسات التي انتهكت حقوق الإنسان ودافعت عن المصالح الخاصة بفئة قليلة لا بد أن تتحوّل إلى مؤسسات تحمي حقوق الإنسان وتمنع الانتهاكات وتخدم الجمهور بدون تحيز . وتتحول المؤسسات المتعطلة وغير المنصفة التي أشاعت الخوف إلى مؤسسات منصفة وفعالة تحظى بالثقة المدنية.
وفي بناء مؤسسات منصفة وفعّالة يساهم الإصلاح المؤسسي في توفير العدالة الانتقالية بطريقتين رئيسيتين. الأولى هى أن المؤسسات العمومية المنصفة والفعّالة تؤدي دوراً حاسما في منع الانتهاكات المقبلة. وبعد فترة من انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق كبير يشكل منع تكررها هدفاً مركزياً في أي إستراتيجية مشروعة وفعالة
للعدالة الانتقالية.
وثانياً يساهم الإصلاح المؤسسي في العدالة الانتقالية من ناحية أنه يمكن المؤسسات العمومية وخاصة في قطاعي الأمن والعدالة من تطبيق المساءلة الجنائية عن الانتهاكات السابقة. فمثلا يستطيع جهاز الشرطة بعد إصلاحه من إجراء تحقيقات مهنية في الانتهاكات المرتكبة أثناء الصراع أو الحكم التسلطي؛ ويستطيع مكتب الادّعاء العام

بعد إصلاحه من إصدار صحائف اتهام بفعالية وتستطيع المحكمة بعد إصلاحها من إصدار أحكام غير متحيزة بشأن هذه الانتهاكات الماضية. ولذلك يمكن أن يكون الإصلاح المؤسسي شرطاً مُسبقاً لتوفير المساءلة الجنائية المحلية عن الانتهاكات التي جرت أيام الصراع أو الحكم التسلّطي. ا
والإصلاح المؤسسي الفعّال والمستدام مهمة معقدة وتنطوي على تحديات. وقد تشمل تدابير الإصلاح المؤسسي مثلا إنشاء إجراءات للإشراف والشكاوى والتدابير التأديبية؛ وإصلاح أو إنشاء أطر قانونية؛ واستحداث أو تنقيح خطوط توجيهية أخلاقية ومدوّنات لقواعد السلوك ؛ وتغيير الرموز المصاحبة لممارسات الانتهاك؛ ودفع مرتبات كافية وإقامة معدات وبنية تحتية كافية. وقد يتعين أيضاً أن تستعرض جهود الإصلاح الفعّال سير القطاع العام بأكمله والنظر في تجميع مؤسسات عمومية أو حلها أو إنشاء مؤسسات جديدة. والمحتوى الدقيق أعمال والنطاق المحدد لهذه التدابير يتوقفان على ظروف البلد.
وفي حين أن وجود نهج شامل إزاء الإصلاح المؤسسي أمر حاسم لكفالة فعاليته واستدامته فإن هذه الخطوط التوجيهية تركز على مجال واحد إصلاح العاملين في المؤسسات والعناصر الرئيسية التي تتكوّن منها أي مؤسسة عمومية هي العاملون فيها. فالمؤسسة تعمل من خلال موظفيها وهم الذين يمثلونها. وفي أكثر الأحيان يكون سوء العمل والانتهاكات في الماضي نتيجة مختلف العيوب في موظفي المؤسسة. ولذلك كان إصلاح الموظفين عنصرا مركزيا في أي عملية فعّالة ومستدامة للإصلاح المؤسسي.
وفحص السجلات جانب هام في إصلاح الموظفين في البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية). ويمكن تعريف فحص السجلات بأنه تقدير مدى الاستقامة لتحديد الملاءمة للخدمة العامة  . وتشير الاستقامة إلى تمسك الموظف بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والسلوك المهني بما في ذلك النظافة المالية للشخص . وقد تبين أن الموظفين العموميين المسؤولين شخصيا عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو جرائم خطيرة بموجب القانون الدولي يتسمون بعدم الاستقامة وخيانة ثقة المواطنين الذين كان يتعين على هؤلاء الموظفين خدمتهم. وليس من المرجح اطنين وخاصة ضحايا الانتهاكات، سيشعرون بالثقة والاعتماد على مؤسسة عمومية تحتفظ بأشخاص أو تعين أشخاصاً بعيوب خطيرة من ناحية الاستقامة، وهو ما ينتقص بصفة أساسية من قدرة المؤسسة على تنفيذ ولايتها. وتهدف عمليات فحص السجلات إلى استبعاد الأشخاص الذين يتصفون بعيوب خطيرة من ناحية الاستقامة من الخدمة العامة من أجل (إعادة) توفير الثقة المدنية و (إعادة ) إثبات مشروعية المؤسسات العمومية.

وتقاس الاستقامة بسلوك الشخص. ولذلك ينبغي أن تستند عمليات فحص السجلات إلى تقييم السلوك الفردي. و عمليات التطهير أو العزل من الخدمة على نطاق واسع على أساس الانتماء إلى مجموعة أو حزب وحسب تمسّ في الأغلب أعداداً أكبر وتؤدي إلى التخلص من موظفين عموميين ذوي استقامة لا يتحملون أي مسؤولية فردية عن الانتهاكات السابقة وفي الوقت نفسه فإن التخلص الجماعي من الموظفين قد يغطي نطاقا أضيق من اللازم ويتجاوز عن أفراد ارتكبوا انتهاكات ولكنهم لم يكونوا أعضاء في المجموعة ومثل هذه العمليات الجماعية التي يتم تفسيرها بطريقة واسعة تنتهك معايير الإجراءات القانونية السليمة وليس من المرجح أن تحقق أهداف الإصلاح المرجوة وقد تؤدي إلى طرد موظفين تقوم الحاجة إلى خبرتهم في فترة ما بعد الصراع أو ما بعد الحكم التسلطي وقد تخلق مجموعات من الموظفين المتذمرين الذين قد يلجؤون إلى تقويض العملية الانتقالية.
وبالإضافة إلى دعم جهود الإصلاح المؤسسي يمكن لأعمال فحص السجلات واستبعاد مرتكبي الانتهاكات أن تحقق وظيفة أخرى في إطار إستراتيجية شاملة للعدالة الانتقالية. إذ إن قلة الإمكانات والموارد في سياق ما بعد الصراع أو ما بعد الحكم التسلطي، مقترنة بالعقبات القانونية والافتقار إلى الموظفين وارتفاع أعداد مرتكبي الانتهاكات، كثيراً ما تمنع المقاضاة الجنائية لكثير من منتهكي الانتهاكات وتخلق ما يسمى بفجوة الإفلات من العقاب. وفي حين أن عمليات فحص السجلات تتطلب أيضاً موارد كبيرة فإنها أقل تعقيداً من الناحية الإجرائية من الملاحقة الجنائية. وفي ظروف قلة أو تأخر المقاضاة الجنائية قد يكون استبعاد منتهكي حقوق الإنسان من الخدمة العمومية مساعدا في سد فجوة الإفلات من العقاب من خلال توفير قدر من المساءلة غير الجنائية. والاستبعاد من الخدمة العمومية له أثر عقابي لأنه يلغي أو يستبعد التوظيف والسلطة العمومية وغير ذلك من المزايا والفوائد. ومع ذلك ينبغي ألا يُستعمل استبعاد المنتهكين كذريعة للتوقف عن المقاضاة الجنائية. فالأمر لا يقتصر على وجود واجب تقديم الجرائم الخطيرة ضد حقوق الإنسان إلى القضاء ، ولكن إستراتيجية العدالة الانتقالية ستكون أيضاً أكثر كفاءة ومشروعية لو أن مختلف مبادرات العدالة الانتقالية استكمل بعضها بعضا وخاصة عمليات المقاضاة والاعتراف بالحقيقة والتعويضات والإصلاح المؤسسي).
وفي أغلب الأحيان لا تكون عيوب الاستقامة هي النقائص الوحيدة في الموظفين العموميين في حالات ما بعد الصراع أو ما بعد الحكم التسلطي وقد لا يؤدي استبعاد الأشخاص الذين يفتقرون إلى الاستقامة إلى تحقيق التغييرات اللازمة في الموظفين لبناء مؤسسة عمومية تتسم بالإنصاف والكفاءة، أو يمنع تكرار التجاوزات

والموظفون في مؤسسة عمومية قد لا يكونون مثلاً منتهكين لحقوق الإنسان وحسب ولكنهم قد يفتقرون أيضاً إلى المؤهلات والمهارات وقد يفشل الموظفون كمجموعة فى تمثيل مجموعات الناس المطالبين بخدمتهم و قد يكون هيكلهم التنظيمي غير كاف وربما تم تعيين كثير من الموظفين بطريقة غير قانونية مع انتهاك المتطلبات الإجرائية وشروط المؤهلات. وفي كثير من الأحيان تمثل النقائص متعددة الأوجه لموظفي المؤسسة العمومية أسباباً معقدة ومتشابكة تفستر سوء العمل والتجاوزات في الماضي. ولذلك تُدمج الخطوط التوجيهية التشغيلية التالية عملية فحص السجلات في برامج أوسع لإصلاح الموظفين بدون تجاهل التحديات المحددة المتمثلة في الاستقامة في سياقات ما بعد الصراع أو ما بعد الحكم التسلُّطي.

ثالثا : المحاسبة

تعتبر المحاسبة أحد العناصر الأساسية في عمليات العدالة الانتقالية، والتي تهدف إلى تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، سواء من خلال المساءلة الجنائية أو المدنية أو حتى من خلال استعادة حقوق الأفراد والمجتمعات. تساهم المحاسبة في تعزيز مبدأ سيادة القانون والمساواة أمام القضاء، وتعمل على ردع الجرائم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبت خلال فترات النزاع أو الحكومات القمعية. ولكن المحاسبة في سياق العدالة الانتقالية تختلف عن المحاسبة التقليدية، حيث إنها تسعى إلى إيجاد توازن بين معاقبة الجناة وتحقيق المصالحة الوطنية.

تُعتبر المحاسبة آلية لضمان عدم الإفلات من العقاب وتعزيز العدالة الاجتماعية. وتشمل المحاسبة الجنائية، وكذلك محاسبة المسؤولين السياسيين والعسكريين.

2. أنواع المحاسبة في العدالة الانتقالية:

المحاسبة الجنائية:
تتضمن محاكمة الجناة الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. يتم ذلك عبر محاكمات محلية أو دولية، مثل محاكم الجرائم الدولية أو المحاكم المحلية التي تعالج قضايا الانتهاكات.

المحاسبة المدنية:
تشمل محاسبة الأفراد أو الكيانات التي ارتكبت انتهاكات من خلال تقديم تعويضات مالية للضحايا أو إصلاح الأضرار التي لحقت بهم. يتم أيضًا منح الضحايا الحق في المطالبة بالتعويضات عن الأضرار المادية والمعنوية التي تعرضوا لها.

المحاسبة السياسية:
يمكن أن تشمل محاسبة الشخصيات السياسية التي كانت مسؤولة عن السياسات القمعية أو عن إشعال النزاع، وقد تشمل إجراءات مثل العزل من المناصب أو منعهم من شغل وظائف عامة في المستقبل.



3. آليات المحاسبة:

المحاكم الدولية:
بعد الحروب أو النزاعات التي شهدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يتم إنشاء محاكم دولية لمحاكمة الجناة، مثل محكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY) أو المحكمة الجنائية الدولية (ICC).

المحاكم المحلية:
غالبًا ما تكون المحاكم المحلية هي الأداة الرئيسية للمحاسبة، حيث تتم محاكمة الجناة في المحاكم الوطنية وفقًا للقوانين المحلية. في بعض الحالات، يمكن أن يتم تشكيل محاكم خاصة، كما حدث في رواندا وتيمور الشرقية.

العدالة التصالحية:
في بعض الحالات، يتم استخدام آلية العدالة التصالحية التي تهدف إلى تحقيق العدالة عبر الاعتراف بالجرائم والمصالحة بين الضحايا والجناة، مع إتاحة فرصة للعفو المشروط إذا تم الاعتراف الكامل بالجرائم.
ا5. لتحديات في تطبيق المحاسبة في العدالة الانتقالية:

التأثيرات السياسية:
في بعض الأحيان، قد يكون هناك ضغط سياسي من قبل الحكومات أو الجماعات المتورطة في النزاع لمنع المحاكمات أو لإخفاء الحقائق. يمكن أن تؤثر هذه العوامل في تطبيق العدالة بشكل عادل.

الأثر النفسي:
قد تواجه الضحايا صعوبة في تحقيق العدالة إذا شعروا بأن المحاسبة لا تتضمن معاقبة الجناة بشكل مناسب أو إذا كانت المحاكمات تتم بسرعة دون مراعاة لأثر الجرائم.

الأولويات الوطنية:
في بعض الحالات، قد تفضل الدول إعطاء الأولوية للمصالحة الوطنية على المحاسبة القانونية الكاملة، مما يؤدي إلى تغييرات في تطبيق العدالة الانتقالية.

:امثلة لمحاكمات

 محاكمات نورمبرغ لمحاكمة القادة النازيين بتهم جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية.

تفاصيل المحاكمة:

أجريت المحاكمة بين نوفمبر 1945 وأكتوبر 1946 أمام المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ، ألمانيا.

حضر المحاكمة 24 من القادة البارزين في النظام النازي، وتم الحكم على 12 منهم بالإعدام، بينما عوقب آخرون بالسجن لفترات طويلة.

تميزت المحاكمات باستخدام أدلة موثقة من شهود، وتسجيلات مصورة، وسجلات النازيين، وهو ما ساعد على توثيق جرائم النظام النازي بوضوح.

أهمية المحاكمة:

أرسى هذا النموذج قواعد العدالة الدولية لمحاسبة مرتكبي الجرائم الكبرى ضد الإنسانية، كما ساعد على تعزيز فكرة عدم الإفلات من العقاب لمنتهكي حقوق الإنسان مهما كانت مناصبهم.

2. محكمة رواندا الدولية (1994) – رواندا

السياق:

عُقدت المحكمة الدولية لرواندا بعد الإبادة الجماعية في رواندا التي وقعت في أبريل إلى يوليو 1994، وأدت إلى مقتل حوالي 800,000 من أقلية التوتسي وبعض الهوتو المعتدلين.

تفاصيل المحاكمة:

أنشأ مجلس الأمن الدولي محكمة خاصة لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب.

كان مقر المحكمة في أروشا، تنزانيا، وتمكنت من توجيه الاتهام لأكثر من 90 شخصًا، بينهم وزراء ومسؤولون كبار في حكومة الهوتو المتطرفة.

أبرز قضية هي محاكمة جان كامباندا، رئيس الوزراء الأسبق، والذي كان أول شخص يُدان بتهمة الإبادة الجماعية، حيث حُكم عليه بالسجن مدى الحياة.

أهمية المحاكمة:

أظهرت محكمة رواندا الدولية قدرة المجتمع الدولي على التدخل لمعاقبة المسؤولين عن الجرائم البشعة، وأكدت على تعزيز حقوق الضحايا، وتقديم العدالة، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم المروعة.

3. المحكمة الخاصة بسيراليون (2002) – سيراليون

السياق:

بعد الحرب الأهلية في سيراليون التي استمرت لأكثر من 10 سنوات، وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف، وإنهاء الصراع في 2002، تم إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة المتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

تفاصيل المحاكمة:

نظرت المحكمة في القضايا المتعلقة بجرائم التجنيد القسري للأطفال، والاغتصاب، والتعذيب، والقتل الجماعي.

أشهر القضايا كانت محاكمة الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور، حيث وُجهت له اتهامات بتقديم دعم مالي ولوجستي للمتمردين الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة.

تم الحكم على تايلور في عام 2012 بالسجن 50 سنة بتهمة دعم الجرائم ضد الإنسانية في سيراليون.

أهمية المحاكمة:

ساعدت المحكمة الخاصة بسيراليون في تحقيق العدالة للضحايا، وأبرزت قدرة المحاكم المختلطة التي تضم عناصر دولية ومحلية على محاسبة الجناة، كما كانت المحاكمة رادعًا للقادة الذين يدعمون الجماعات المسلحة لتحقيق مصالحهم.

4. محاكمات جنوب أفريقيا (لجنة الحقيقة والمصالحة)

السياق:

بعد سقوط نظام الفصل العنصري في 1994، أنشأت حكومة جنوب إفريقيا لجنة الحقيقة والمصالحة لتحقيق العدالة الانتقالية من خلال كشف الحقائق بدلًا من المحاكمات الجنائية.

تفاصيل المحاكمات:

عُقدت جلسات علنية للجنة بقيادة ديزموند توتو، حيث تم الاستماع إلى شهادات آلاف الضحايا والمتهمين بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.

منح القانون المتهمين الذين اعترفوا بجرائمهم العفو مقابل الكشف الكامل عن جرائمهم.

اعتمدت اللجنة على مبدأ التسامح والمصالحة كوسيلة لمعالجة الماضي والبدء في بناء مجتمع متصالح ومتماسك.

أهمية المحاكمة:

كانت هذه التجربة نموذجًا مميزًا للعدالة الانتقالية، حيث لم يتم التركيز على العقاب بقدر ما كان الهدف بناء مجتمع قائم على المصالحة والتفاهم، مما ساهم في نجاح جنوب أفريقيا في تجاوز ماضي الانقسامات العنصرية العميقة.

5. التجربة المغربية – هيئة الإنصاف والمصالحة (2004)

السياق:

في إطار العدالة الانتقالية، أنشأ المغرب هيئة الإنصاف والمصالحة في 2004 للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت خلال فترة “سنوات الرصاص”.

تفاصيل المحاكمة:

ركزت الهيئة على جمع الشهادات وتقصي الحقائق حول حالات الاختفاء القسري والتعذيب والاعتقالات التعسفية التي حدثت بين 1956 و1999.

تم تعويض أكثر من 22,000 ضحية ماليًا وجبر الضرر الصحي والنفسي لهم، بالإضافة إلى تقديم توصيات للإصلاح المؤسسي لضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات.

لم تتخذ الهيئة طابعًا قضائيًا، بل اعتمدت على تقديم العفو مقابل الاعتراف بالحقيقة وإعلان الحقائق للضحايا والمجتمع.

أهمية المحاكمة:

اعتُبرت التجربة المغربية نموذجًا عربيًا ودوليًا ناجحًا في المصالحة الوطنية، حيث اعتمدت على معالجة الماضي دون الدخول في محاكمات قضائية، مما ساهم في بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.

تُظهر هذه النماذج أن العدالة الانتقالية يمكن أن تتخذ أشكالًا متعددة، سواء عبر المحاكمات الجنائية، أو اللجان التي تجمع بين كشف الحقيقة والمصالحة. يعد الهدف الرئيسي هو تحقيق العدالة للضحايا، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، وضمان عدم تكرار الانتهاكات، مما يُسهم في بناء مجتمع أكثر سلامًا واستقرارًا

رابعا : المصالحة

المصالحة لا تعني طمس الحقيقة و طي الصفحة دون قراءتها ، المصالحة لا تعني النسيان لانه لابد من الحفاظ علي الذاكرة بما يمكن الشعوب من استخلاص الدروس لكي لا يتكرر ما جري
مداخل المصالحة
ا- المدخل السياسي
ب- المدخل القانوني
ج- احداث اليات للحوار
د – بناء الارضية المشتركة للفرقاء
ه- ارثاء قواعد مشروع مجتمعي مشترك يستجوب الدفاع عنه

و-تقبل المجتمع للمصالحة

:المصالحة الوطنية في العالم العربي

تبدو الكثير من الدول العربية اليوم في حاجة إلى الدخول في مرحلة جديدة من “العدالة الانتقالية وخاصة تلك الدول التي شهدت انتهاكات كبيرة على مستوى حقوق الإنسان في الماضي كسورية ولبنان والجزائر ولبنان وليبيا . العدالة الانتقالية وحدها تؤسس للمصالحة الوطنية ، إن إرث ” المصالحةيعود بجذوره بعيداً إلى التاريخ العربي – الإسلامي ، ولذلك تبدو المجتمعات العربية بحاجة إلى استعادة هذا التراث ممزوجاً بالخبرات المتراكمة للمجتمعات ، و خاصة تلك التي مرت بفترات من النزاع الأهلي أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أخلت بثقة المواطن في النظام السياسي والقضائي لبلده إحلالاً كاملاً ، وبات أكثر شعوراً أن الدولة ذاتها متورطة في ما يعيش فيه . إن تعبير «المصالحة الوطنية» يعود إلى الزعيم الفرنسي التاريخي شارل ديغول، وقد استخدمه فيما بعد على التوالي كل من جورج بومبيدو وفرنسوا ميتران وذلك عندما رسخ عندهما الاعتقاد بضرورة
تحمل مسؤولية محو ديون وجرائم الماضي التي وقعت تحت الاحتلال أو إبان حرب الجزائر
فديغول عندما عاد للمرة الأولى إلى فيشي وألقى فيها كلمة شهيرة حول وحدة وفرادة فرنسا، شكل مفهوم المصالحة الوطنية لحمة الخطاب الديغولي وهو الأمر ذاته الذي فعله بومبيدو الذي تحدث في ندوة شهيرة له عن “المصالحة الوطنية” وعن الانقسام الذي تم التغلب عليه، جراء عفوه عن توفيي Touvier. وكان هذا المفهوم ذاته موضوع خطاب ميتران لما أعلن عن تأكيده في مناسبات عدة أنه ضامن الوحدة الوطنية، ورفض اعلان أن فرنسا مسؤولة عن الجرائم المقترفة تحت حكم فيشي الذي وصفه بالسلطة اللاشرعية أو غير التمثيلية التي استولت عليها أقلية من المتطرفين. ثم استخدم مانديلا هذا المفهوم في جنوب أفريقيا عندما كان ما يزال قابعا في السجن، إذ رأى أن من واجبه أن يضطلع بنفسه بقرار التفاوض حول مبدأ إجراء العفو العام الذي سيتبع أولاً عودة منفيي المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) ويطمح إلى مصالحة وطنية بدونها سيكون البلد عرضةً لمزيد من الاحتراق وإراقة الدماء التي سيقف وراءها الانتقام بكل تأكيد. إن المصالحة هي شكل من أشكال العدالة الانتقالية التي تكون ضرورية لإعادة تأسيس الأمة على أسس شرعية قانونية وتعددية وديموقراطية في الوقت ذاته .

تبدو تجربة المغرب مغرية في ذلك ، وحاجة العراق ماسة لها اليوم أكثر من غيره ، ولا تخرج لسورية من استحكام أزماتها الداخلية إلا بقرار تاريخي من نمط المصالحة الوطنية ” ، وإرث الماضي في لبنان لن يتم تجاوزه دون الدخول في سياسة الصفح والمصالحة التي هي وحدها الكفيلة بالخروج من أسر الماضي الثقيل الوطاة إلى رحاب المستقبل
إن أزمة العدالة والمحاسبة في العالم العربي تعود بالدرجة الأولى إلى ضعف استقلال القضاء، وتبعية أجهزة النيابة العامة للسلطات التنفيذية، وتاكل الثقة في القضاء الوطني بفعل الانقسامات الداخلية الحادة كما في لبنان و السودان و العراق وفلسطين وغياب إرادة تسوية ملفات الماضي، وكشف الحقيقة، حيث أن معظم الدول العربية شهدت انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان على مدار عقود ما بعد الاستقلال، وفي إطار سعيها الى التستر على الجلادين ومنحهم حصانة قضائية، تتبنى بعض الحكومات ما يعرف بقوانين العفو كما حدث في البحرين أو الجزائر، وتفرض تدابير صارمة ضد من يسعى الى انتقاد مثل هذه القوانين والأغرب أنها تُصدر هذه القوانين إعلاميا باعتبارها مصالحة
وطنية
لذلك لا يبدوا غريبا أن تتزايد تطلعات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة العربية إلى وسائل الانتصاف الدولية كبديل عن عجز وعدم رغبة القضاء الوطني في محاسبة منتهكي حقوق الإنسان، وإقرار العدالة وحكم القانون، حيث شهدت المنطقة مؤخراً أهم سابقتين في هذا الإطار: الأولى هي تحويل ملف جرائم دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بواسطة قرار من مجلس الأمن، والسابقة الثانية هي تشكيل محكمة دولية ذات طابع خاص لمحاكمة المتورطين في اغتيال رفيق الحريري، والتي تشكلت في سياق سياسي متأزم في لبنان وفي أعقاب سلسلة من الاغتيالات التي طالت رموز السياسة والصحافة المنحازين إلى الاستقلال الوطني الديمقراطي.

لقد فشل القضاء الوطني في كلا النموذجين عن الخوض في المحاسبة، لعدم استقلاليته من ناحية، وعدم قدرته في بيئة منقسمة اثنيا وعرقيا وسياسيا على فتح ملفات من هذا القبيل، وأصبح في كلا البلدين تحدي العدالة جزء لا ينفصل عن النضال الديمقراطي في مواجهة أنظمة شمولية، وحلقة من إحقاق السلام الداخلي الذي يتطلب العدل، وإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب. وسائل العدالة الدولية هي تطور بشري وإنتاج حضاري مشترك، وليست إنتاجا غربيا، لابد من تعزيزه بدلا من تقويضه، لكنها لا يمكن أن تكون بديلة عن الآليات الوطنية للعدالة، والتي تعد العدالة الانتقالية أحد تجلياتها، تبدو تجربة المغرب مغرية في ذلك مع وجود بعض التحفظات على مسارها لوجود ملفات وجرائم لم يكشف عنها النقاب بعد، وتباطؤ تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، واستمرار انتهاج السلطات لممارسات ضد حقوق الإنسان، وخاصة على خلفية الحرب على الإرهاب، لكن بشكل عام تعتبر التجربة المغربية خطوة للأمام وغير مسبوقة في هذه المنطقة من العالم.
إن المصالحة تدعم الديموقراطية من خلال إقامة علاقات التعاون اللازمة لوضعها موضع التنفيذ بنجاح. كذلك على المصالحة أن تحظى من بين أمور أخرى، بدعم العدالة الإقتصادية والسياسية وبتشارك إجتماعي للسلطة .

خامسا : جبر الضرر

مفهوم جبر الضرر يسع لاكثر من كونه تعويضا ماديا للضحايا بل يمتد ليصبح بمثابة اقرار عن مسؤولية الدولة عن انتهاكات حقوق الانسان

ابعاد جبر الضرر

ا- جبر الضرر الفردي :للضحايا و اسرهم تشمل التعويض و العلاج و اعادة الدمج و الرعاية الصحية
ب- جبر الضرر الجماعي : الذي يخصص بجماعات و مناطق قد تكون عاشت اوضاعا خاصة من حيث سياسات القمع او الابادة او التهميش و التساهل جراء مواقف سياسية او مساندة طرف سياسي
ج- جبر الضرر القائم مقاربة النوع : ويهدف الي معالجة الوضعية الماضية للنساء ضحايا الانتهاكات


التركيز على جبر الضرر الجماعي
غالبا ما تواجه المجتمعات التي خرجت لتوها من براثن الحكم الاستبدادي أو النزاعات المسلحة تداعيات الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان أو التي ترتكب على نطاق واسع، في ظل إفلات الجناة من العقاب وحرمان الضحايا من التعويض المالي أو معنوي وأمام هذا الوضع، لجأ القادة السياسيون ومنظمات المجتمع المدني في بعض المجتمعات إلى آليات العدالة الانتقالية من أجل إقامة العدل وإقرار السلام وتحقيق المصالحة. وقد شملت هذه الأليات في بعض الحالات الملاحقة القضائية فى الجرائم المقترفة، وإحداث لجان الحقيقة وبرامج جبر الضرر، وما إلى ذلك. كما تضمنت الجهود المبذولة في هذا الإطار تدابير لتخليد ذكرى الضحايا من قبيل إقامة نصب تذكارية إلى جانب المبادرات الرامية إلى تحقيق المصالحة ويمكن القول إن برامج جبر الضرر تحظى بأهمية خاصة من بين جميع اليات العدالة الانتقالية من حيث تمكين الضحايا والناجين من حقوقهم
وتوفير الرعاية لهم.
وتستهدف برامج جبر الضرر – والتي غالبا ما توصي بها لجان الحقيقة أو تأتي نتيجة لتسوية النزاعات، لكن يُعهد في تدبيرها عموما إلى مؤسسات الدولة – الاعتراف بحق الضحايا في المطالبة باحترام حقوق الإنسان ورد الاعتبار لهم ومنحهم فرصة المشاركة في إعادة بناء مجتمع ما بعد الانتقال. وتسعى هذه البرامج بالأخص إلى وضع تدابير ملموسة ورمزية لجبر ضرر الضحايا وتخفيف معاناتهم.
مجمو
ويعاني بعض الضحايا كالفقراء والمهمشين الذين يرزحون تحت وطأة ظروف اجتماعية واقتصادية، أكثر من غيرهم وبحدة بسبب الضرر الواقع عليهم – سواء عن قصد أو بشكل عشوائي- على أيدي حكام مستبدين أو مقاتلين عتاة وغالبا ما يقع النصيب الأكبر من الضرر على مجتمعات أو عات بأكملها تتقاسم نفس الهوية الثقافية والتجربة التاريخية والانتماء الجغرافي. وما من شك احتياجات الفئات الفقيرة أو المهمشة لفترة ما بعد الانتقال تتمحور أساسا حول توفير أبسط ظروف العيش الكريم من قبيل السكن والغذاء والرعاية الصحية ووسيلة لكسب العيش وفي هذا الإطار، نجد أن جبر الضرر – أو على الأقل ما ينتظره بعض الضحايا منه يلتقي مع واجبات الدولة بشأن تمكين المواطنين من أبسط حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية.
وتواجه حكومات البلدان النامية عِدّة صعوبات – ليس بسبب سياسات حكامها فحسب، بل أيضا بسبب بعض العوامل البنيوية والتاريخية – في مجال تطوير اقتصادياتها، وبالتالي توفير الخدمات الضرورية لمواطنيها. أما في البلدان النامية التي خرجت من النزاعات والحكم الاستبدادي، فتتداخل انتهاكات حقوق الإنسان التي تعرضت لها فئات الضحايا الأكثر تهميشا من النواحي الاقتصادية والاجتماعية مع التزام الدولة بالعمل على تلبية احتياجات المواطنين الاقتصادية والاجتماعية على العموم. وزيادة على الإشكاليات المفاهيمية بشأن المجالات التي يلتقي عندها جبر الضرر بتحقيق تقرير الرباط مفهوم وتحديات جبر الضرر الجماعي
التنمية، يطرح هذا التداخل تحديات معقدة من الناحية العملية. وتنضاف محدودية الموارد المالية وضعف القدرات الإدارية إلى غياب الإرادة السياسية لدى حكومات مرحلة ما بعد الانتقال لتفرغ العدالة الانتقالية من مضامينها الحقيقية بل إن العراقيل ذاتها تخفي تناقضات وفوارق كبيرة بالنسبة جبر الضرر سواء داخل الحكومات أو في أوساط الضحايا أو ضمن بنيات المجتمع المدني.
لدعاة
وإذا كانت التعويضات الجماعية” لا ينظر إليها باعتبارها وسيلة كافية في حد ذاتها لجبر الضرر، فقد شكل المفهوم الذي تنطوي عليه إحدى الوسائل التي اعتمدها دعاة جبر الضرر لمواجهة هذه التحديات والتعامل مع إشكالية التصدي للانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان.
الحالات
وتختلف التعويضات الجماعية باختلاف مستحقيها ، بحيث تنصب حول منح منفعة لمجموعات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ممن يتقاسمون نفس الهوية أو التجربة أو أشكال الانتهاكات التي طالتهم. كما يمكن أن تخصص التعويضات لضحايا الانتهاكات الفردية القائمة على أساس الاجتماعي، من قبيل العنف الجنسي الفردي ضد المرأة. وقد تشمل التعويضات في بعض الانتهاكات التي تطال سكان مناطق معينة من قبيل القتل الجماعي لقرى بأكملها وإبادة المجتمعات الأصلية أو تهجيرها أو تستهدف منظمات المجتمع المدني بدعوى مناهضتها للنظام القائم أو معارضتها للمقاتلين خلال النزاعات. وما من شك في أن هذه الانتهاكات قد تتفاوت في مظاهرها وتأثيرها على الضحايا أفرادا ،وجماعات، كما أن هذه الانتهاكات الجماعية أو الممنهجة لحقوق الإنسان من شأنها أن تؤثر بشكل سلبي على وسائل العيش أو تؤدي إلى تفكيك المؤسسات على نحو أفراد المجتمع الواحد وفي مثل هذه الظروف، تبرز أهمية جبر الضرر الجماعي باعتبارها آلية فعالة للتعويض عن الأضرار التي طالت البنيات التحتية والهوية و والثقة وذلك من خلال دعم مشروع مجتمعي يهدف إلى تحديد مكان الأقرباء المغيبين أو بناء مكان للاجتماع وتغيير الحياة المجتمعية نحو الأفضل وتعزيز أساليب الحكامة الجيدة.
يقوض الثقة بين جميع
“ويمكن اعتبار جبر الضرر الجماعي أيضا وسيلة لتيسير صرف التعويضات، سواء في ظل وجود عراقيل عملية أو مخاوف بشأن وضع خط فاصل بين فئات الضحايا أو بين الضحايا والمجموعات غير المنتمية إلى فئات الضحايا ، كما أن جبر الضرر الجماعي يفيد في تجنب التأثيرات السلبية التي قد تنجم عن صرف التعويضات بشكل فردي “
وعلى الرغم من الاختلافات في حجم الانتهاكات والمسار الذي اتخذه كل بلد في الانتقال إلى العدالة، تطرح في البلدان كلها نفس القضايا كضمان عدم الخلط بين التعويضات الجماعية والمساعدة الإنسانية أو المشاريع التنموية، وضرورة النظر إليها باعتبارها أداة للتعاطي مع انتهاكات حقوق عة معينة، الإنسان. وفي كثير من الحالات التي تصرف فيها التعويضات بشكل جماعي أو إلى مجمو مسار جبر الضرر عن استفادة الجناة وغيرهم ممن ليسوا بالضرورة ضحايا
ويثير هذا الأمر كذلك تساؤلات حول كيفية ضمان عدم النظر إلى التعويضات على أنها عادلة أو على أنها تزيد من مظاهر الانقسام أو تزيد من حالة التوتر داخل المجتمع. وعلى رغم من الفوائد الظاهرية التي تنطوي عليها برامج جبر الضرر الجماعي، فإنها تواجه تحديات جَمَّة. فهي لا يصعب تنفيذها ،فحسب بل إن الضحايا الأفراد قد يعارضون تطبيقها بدعوى أنها لا تتلاءم مع الطبيعة الخصوصية والفردية التي غالبا ما تطبع انتهاكات حقوق الإنسان ومعاناة الضحايا. وفى الغالب يصعب تحديد المجموعات التي ينبغي أن تستفيد من برامج جبر الضرر، كما أنه يتعذر تبرير اختيار البعض دون غيرهم للاستفادة من هذه البرامج. وعلاوة على ذلك، يمكن أن هذه العملية في تحقيق مكاسب سياسية، كما أنه من المحتمل الخلط بين برامج جبر الضرر والسياسات التنموية التي يحق للجماعات الاستفادة منها في جميع الأحوال.

سادسا :احياء الذكري

إحياء الذكرى يُعتبر من أهم آليات العدالة الانتقالية، ويهدف إلى معالجة آثار الانتهاكات السابقة من خلال الاعتراف بمعاناة الضحايا وتخليد ذكرى الأحداث المؤلمة. يهدف هذا البحث إلى توضيح أهمية ودور إحياء الذكرى في تحقيق العدالة والمصالحة داخل المجتمعات التي مرت بتجارب انتهاكات حقوقية.
إحياء الذكرى يشمل الأنشطة والتفاعلات التي تهدف إلى تذكر الضحايا والأحداث، مثل إقامة النصب التذكارية أو المناسبات السنوية.

يعد وسيلة للاعتراف الرسمي بالأحداث، مما يساعد على تقليل الشعور بالظلم بين الناجين وأسر الضحايا.


 الهدف من احياء الذكري

تحقيق الاعتراف والكرامة للضحايا.

تعزيز المصالحة الاجتماعية عن طريق مواجهة الماضي.

تثقيف المجتمع لمنع تكرار هذه الأحداث مستقبلاً.

: أشكال إحياء الذكرى

النصب التذكارية: كرموز مادية تُخلّد ذكرى الضحايا.

الاحتفالات السنوية: مناسبات تساهم في إبقاء الذاكرة حية.

التعليم والمناهج الدراسية: إدخال أحداث الماضي في المناهج كجزء من التثقيف التاريخي.

:علي سبيل المثال

جنوب أفريقيا: استخدام متحف أبارتيد والنصب التذكارية كوسيلة لإحياء ذكرى حقبة الفصل العنصري.

رواندا: النصب التذكاري للإبادة الجماعية في العاصمة كيجالي، والذي يرمز إلى ضحايا الإبادة.

يمثل إحياء الذكرى خطوة أساسية نحو تعزيز العدالة الانتقالية، حيث يسهم في بناء ثقافة جديدة تعترف بالماضي وتتعلم منه. وبذلك، يساعد في تقليل مشاعر الانتقام ويعزز التعايش السلمي بين أفراد المجتمع.



نهج الامم المتحدة للعدالة الانتقالية

:مذكرة توجيهية للامين العام

تقدم هذه المذكرة المبادئ التوجيهية والإطار العام لنهج الأمم المتحدة لعمليات وآليات العدالة الانتقالية. وتوضح المذكرة العناصر الرئيسية للعدالة الانتقالية والسبل الكفيلة بتعزيز هذه الأنشطة. وتستند إلى مذكرة الأمين العام التوجيهية بشأن نهج الأمم المتحدة لمساعدة سيادة القانون.

بالنسبة للأمم المتحدة، العدالة الانتقالية تشمل مجموعة كاملة من العمليات والآليات التي تسعى بها المجتمعات إلى التعامل مع إرث الانتهاكات الواسعة النطاق التي حدثت في الماضي، من أجل ضمان المساءلة وتحقيق العدالة والمصالحة. تشكل عمليات وآليات العدالة الانتقالية عنصرًا حاسمًا في إطار الأمم المتحدة لتعزيز سيادة القانون.

أ. المبادئ التوجيهية

1. دعم وتشجيع الامتثال للمعايير والقواعد الدولية عند تصميم وتنفيذ عمليات وآليات العدالة الانتقالية.

2. أخذ السياق السياسي بعين الاعتبار عند تصميم وتنفيذ هذه العمليات.

3. تقديم المساعدة للعدالة الانتقالية بناءً على السياق الفريد لكل بلد وتعزيز القدرات الوطنية لتنفيذ هذه العمليات.


4. السعي لضمان حقوق المرأة.
5. دعم نهج يراعي احتياجات الأطفال.
6. التأكيد على مركزية الضحايا في تصميم وتنفيذ عمليات العدالة الانتقالية.
7. تنسيق برامج العدالة الانتقالية مع المبادرات الأوسع لسيادة القانون.
8. تشجيع نهج شامل يدمج مزيجًا مناسبًا من العمليات والآليات الانتقالية.
9. السعي لضمان أن تأخذ هذه العمليات في الاعتبار الأسباب الجذرية للصراع والحكم القمعي.
10. المشاركة الفعالة في التنسيق وبناء الشراكات.


ب. مكونات العدالة الانتقالية
تشمل العدالة الانتقالية العمليات والآليات القضائية وغير القضائية مثل:
المبادرات القضائية.
الكشف عن الحقيقة.
تقديم التعويضات.
الإصلاح المؤسسي.
المشاورات الوطنية. كل مزيج يتم اختياره يجب أن يتماشى مع المعايير القانونية الدولية والالتزامات.

ج. السبل لتعزيز أنشطة الأمم المتحدة في العدالة الانتقالية

توضح المذكرة أنه يجب دمج النهج التالية في أنشطة العدالة الانتقالية للأمم المتحدة:

1. اعتماد نهج يسعى لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع أو الحكم القمعي.


2. أخذ حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية بعين الاعتبار أثناء عمليات السلام.


3. تنسيق مبادرات نزع السلاح وإعادة الدمج مع أنشطة العدالة الانتقالية بطريقة تدعم بعضها البعض.



مقدمة

مساعدة المجتمعات التي دمرها الصراع أو التي خرجت من حكم قمعي لاستعادة سيادة القانون ومواجهة الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان يمثل تحديًا كبيرًا. على مدار السنوات، اكتسبت الأمم المتحدة خبرة كبيرة في تطوير سيادة القانون والسعي لتحقيق العدالة الانتقالية في الدول الخارجة من الصراع أو الحكم القمعي.

لقد أثبتت التجارب أن تعزيز المصالحة وتوطيد السلام على المدى الطويل يتطلب إنشاء أو إعادة بناء نظام حكم إداري وقضائي فعّال يقوم على احترام سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان.

بالنسبة لنظام الأمم المتحدة، العدالة الانتقالية تشمل العمليات والآليات التي تسعى بها المجتمعات إلى التعامل مع إرث الانتهاكات واسعة النطاق من أجل ضمان المساءلة وتحقيق العدالة والمصالحة.

تشمل العدالة الانتقالية العمليات القضائية وغير القضائية مثل:
المبادرات القضائية.
البحث عن الحقيقة.
برامج التعويضات.
الإصلاح المؤسسي، أو مزيجًا مناسبًا منها.

ب. مكونات العدالة الانتقالية

تتكون العدالة الانتقالية من عمليات وآليات قضائية وغير قضائية، تشمل المبادرات القضائية، والمبادرات المتعلقة بحق معرفة الحقيقة، وتقديم التعويضات، والإصلاح المؤسسي، والمشاورات الوطنية. مهما كان المزيج المختار، يجب أن يكون متوافقًا مع المعايير والالتزامات القانونية الدولية.

ج. طرق تعزيز أنشطة الأمم المتحدة في مجال العدالة الانتقالية

تحدد المذكرة أنه ينبغي تضمين النهج التالية في أنشطة العدالة الانتقالية التي تقوم بها الأمم المتحدة:

1. اعتماد نهج يسعى إلى معالجة الأسباب الجذرية للصراع أو الحكم القمعي والتصدي لانتهاكات جميع الحقوق ذات الصلة.


2. أخذ الاعتبارات المتعلقة بحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية بعين الاعتبار خلال عمليات السلام.


3. تنسيق مبادرات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج مع أنشطة العدالة الانتقالية بطريقة تعزز بعضها البعض بشكل إيجابي.






المقدمة

مساعدة المجتمعات التي دمرها الصراع أو التي خرجت من الحكم القمعي على إعادة تأسيس سيادة القانون والتعامل مع الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، لا سيما في سياق مؤسسات منهارة وموارد مستنزفة وأمن متدهور وسكان مضطربين ومنقسمين، يمثل تحديًا هائلًا. على مر السنين، اكتسبت الأمم المتحدة خبرة كبيرة في تطوير سيادة القانون والسعي لتحقيق العدالة الانتقالية في الدول الخارجة من النزاع أو الحكم القمعي. وقد أثبتت التجربة أن تعزيز المصالحة وتوطيد السلام على المدى الطويل يتطلب إنشاء أو إعادة تأسيس نظام حكم إداري وعدلي فعال يقوم على احترام سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان.

بالنسبة لنظام الأمم المتحدة، العدالة الانتقالية هي مجموعة العمليات والآليات المرتبطة بمحاولة المجتمع التعامل مع إرث الانتهاكات واسعة النطاق التي حدثت في الماضي، من أجل ضمان المساءلة وتحقيق العدالة والوصول إلى المصالحة.

تشمل العدالة الانتقالية العمليات والآليات القضائية وغير القضائية مثل المبادرات القضائية، والبحث عن الحقيقة، وبرامج التعويضات، والإصلاح المؤسسي، أو مزيجًا مناسبًا منها.




أ. المبادئ التوجيهية

1. دعم وتشجيع الامتثال للمعايير والقواعد الدولية من قبل عمليات وآليات العدالة الانتقالية



ينبغي على الأمم المتحدة دائمًا دعم وتشجيع الامتثال للمعايير والقواعد الدولية في عمليات وآليات العدالة الانتقالية. الأساس القانوني للعمل في هذا المجال هو ميثاق الأمم المتحدة، إلى جانب أربعة من أركان النظام القانوني الدولي الحديث: القانون الدولي لحقوق الإنسان، القانون الإنساني الدولي، القانون الجنائي الدولي، وقانون اللاجئين الدولي.

تنص مختلف الصكوك الدولية على الحقوق والواجبات المتعلقة بحق الوصول إلى العدالة، وحق معرفة الحقيقة، وحق الحصول على التعويضات، وضمانات عدم تكرار الانتهاكات (واجب الوقاية).

لكي تمتثل هذه العمليات للقواعد القانونية الدولية، ينبغي أن تتأكد من أن الدول تجري تحقيقات ومحاكمات بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك العنف الجنسي.

علاوة على ذلك، يجب أن تضمن هذه العمليات حق الضحايا في الحصول على التعويضات، وحق الضحايا والمجتمعات في معرفة الحقيقة حول الانتهاكات، وضمانات عدم تكرار الانتهاكات، وذلك وفقًا للقانون الدولي.

تضع هذه المعايير الدولية أيضًا الحدود القانونية لمشاركة الأمم المتحدة، على سبيل المثال: لن تنشئ الأمم المتحدة أي محكمة أو تقدم مساعدة لأي محكمة تتيح عقوبة الإعدام، ولن تدعم البنود في اتفاقيات السلام التي تتضمن منح العفو عن الإبادة الجماعية أو جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

2. أخذ السياق السياسي بعين الاعتبار عند تصميم وتنفيذ عمليات وآليات العدالة الانتقالية



لا تعمل عمليات وآليات العدالة الانتقالية في فراغ سياسي، وإنما غالبًا ما يتم تصميمها وتنفيذها في بيئات هشة ما بعد النزاع أو الانتقال. يجب على الأمم المتحدة أن تكون مدركة تمامًا للسياق السياسي والآثار المحتملة للآليات الانتقالية. ووفقًا للميثاق، تدعم الأمم المتحدة المساءلة والعدالة والمصالحة في جميع الأوقات. ينبغي تعزيز السلام والعدالة كأولويات مترابطة، ويجب التصدي للانطباع بأنهما متعارضتان.

السؤال الذي يواجه الأمم المتحدة ليس ما إذا كان ينبغي السعي إلى المساءلة والعدالة، بل متى وكيف يتم ذلك. يجب أن يتم تأطير توقيت وطبيعة هذه الإجراءات أولًا في سياق الالتزامات القانونية الدولية، مع مراعاة الظروف الوطنية وآراء أصحاب المصلحة الوطنيين، لا سيما الضحايا. في الحالات التي لا تسمح فيها الظروف الوطنية أو تحد من فعالية إجراءات العدالة الانتقالية، تدعم الأمم المتحدة الأنشطة التي تشجع وتضع الأساس لآليات وعمليات فعالة. قد يشمل ذلك الحوار لمساعدة أصحاب المصلحة الوطنيين على تعزيز الاهتمام والفهم تجاه آليات العدالة الانتقالية. لا يمكن للأمم المتحدة دعم البنود في اتفاقيات السلام التي تستبعد المساءلة عن جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ويجب أن تسعى إلى تعزيز اتفاقيات السلام التي تحافظ على إمكانية المساءلة وآليات العدالة الانتقالية في الفترات ما بعد النزاع والانتقال.

3. بناء المساعدة للعدالة الانتقالية على السياق الفريد لكل بلد وتعزيز القدرات الوطنية لتنفيذ عمليات العدالة الانتقالية على نطاق واسع



كل برنامج للعدالة الانتقالية هو مجموعة فريدة من العمليات والآليات التي يتم تنفيذها ضمن سياق محدد. تبتعد الأمم المتحدة عن الصيغ الجاهزة والأنماط المستوردة، وتبني عملها على تحليل دقيق للاحتياجات والقدرات الوطنية، مع الاستفادة من الخبرات الوطنية إلى أقصى حد ممكن. قد يشمل النظر بعناية في احتياجات العدالة الانتقالية في بلد ما تقييم عوامل مثل الأسباب الجذرية للصراع، وتحديد الفئات المستضعفة مثل الأقليات والنساء والأطفال، وحالة قطاعي العدالة والأمن في البلد. لتعزيز استدامة وملاءمة عمليات العدالة الانتقالية، ينبغي أن يتم تنفيذها، حيثما كان ذلك ممكنًا، بواسطة الفاعلين المحليين والوطنيين. في هذا الصدد، يجب أن تركز المساعدة الدولية على تطوير القدرات الوطنية لبدء وقيادة هذه العمليات. يشمل ذلك تحديد ودعم وتمكين المجموعات الوطنية المعنية بالإصلاح لتطوير وتنفيذ أجندتها الخاصة بالعدالة الانتقالية وسيادة القانون. قد تلعب المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان دورًا مهمًا في تعزيز المشاركة العامة في هذه العمليات، وقد تشارك أيضًا في تنفيذ آليات العدالة الانتقالية، أو في تنفيذ توصياتها.

4. السعي لضمان حقوق المرأة من خلال عمليات وآليات العدالة الانتقالية



يجب أن تركز نهج العدالة الانتقالية اهتمامًا خاصًا على الانتهاكات المرتكبة ضد الفئات الأكثر تضررًا من النزاع، وخاصة النساء. عدم المساواة بين الجنسين هو أحد أكثر أشكال عدم المساواة انتشارًا في المجتمع وغالبًا ما يتفاقم بسبب النزاعات والأوضاع التي تنطوي على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. تجعل الأشكال المتجذرة للعنف القائم على النوع الاجتماعي النساء والفتيات أكثر عرضة للانتهاكات المتعلقة بالنزاع، بما في ذلك العنف الجنسي المنهجي الذي غالبًا ما يستمر حتى بعد انتهاء النزاع. يمثل الوصم الاجتماعي والصدمة المرتبطة بالإبلاغ عن هذه الجرائم، واستبعاد النساء من عمليات صنع القرار العامة، تحديات خاصة في مشاركتهن في آليات العدالة الانتقالية.

آليات العدالة الانتقالية يجب أن تضمن اتخاذ تدابير خاصة لضمان حصول النساء على تعويضات كافية عن الانتهاكات المرتبطة بالنزاع، وأن يتمكنّ من المشاركة الكاملة في هذه العمليات، وأن يتم تناول حقوقهن ومنظورهن بشكل ملائم.

يمكن لآليات العدالة الانتقالية التي تدمج منظورًا قائمًا على النوع الاجتماعي وحقوق المرأة، مثل المبادرات القضائية التي تعاقب المسؤولين عن ارتكاب العنف الجنسي وانتهاكات أخرى لحقوق النساء أثناء النزاع، أو المشاورات مع النساء لتحديد أولوياتهن فيما يتعلق بمبادرات العدالة الانتقالية، أن تساعد في ضمان المساءلة عن الانتهاكات التي ترتكب ضد حقوق المرأة أثناء النزاع وتضمن عدم استمرار اضطهاد النساء أو سوء معاملتهن في المستقبل.

5. دعم نهج يراعي حقوق الأطفال في عمليات وآليات العدالة

الأطفال من بين الفئات الأكثر تضررًا من النزاعات المسلحة والبيئات السياسية غير المستقرة. يجب أن تسعى عمليات وآليات العدالة الانتقالية إلى التحقيق في الجرائم الدولية ضد الأطفال، وتقديم تعويضات فعالة لهم، وتعزيز المؤسسات الحكومية لحماية وتعزيز حقوق الأطفال. يجب اعتبار الأطفال الذين ارتبطوا بالقوات المسلحة أو الجماعات المسلحة، والذين قد يكونون تورطوا في ارتكاب الجرائم بموجب القانون الدولي، ضحايا في المقام الأول، وليس فقط كمجرمين. من حيث المبدأ، لا ينبغي تحميل الأطفال المسؤولية الجنائية بموجب ولاية قضائية دولية.

عندما يكون الأطفال موضوعًا لإجراءات قضائية، يجب أن يتم التعامل معهم وفقًا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية حقوق الطفل، وقواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث، والمبادئ التوجيهية بشأن العدالة في الأمور المتعلقة بالأطفال الضحايا والشهود على الجرائم. ينبغي أن يعترف نهج الأمم المتحدة في العدالة الانتقالية بأن للأطفال الحق في التعبير عن آرائهم في الأمور والإجراءات التي تؤثر عليهم، بما يتناسب مع قدراتهم المتطورة، وأنه يجب وضع سياسات وإجراءات تراعي الأطفال لحماية حقوقهم كضحايا وشهود في الجرائم التي تشملهم.

المبدأ الأساسي يجب أن يكون دائمًا هو مصلحة الطفل.

عندما يتم دعم الأطفال وتوجيههم، يمكن لمشاركتهم أن تساعد في بناء قدراتهم كمواطنين نشطين في مرحلة ما بعد الصراع، مما يضع الأساس لمجتمع أكثر عدالة وسلامًا. ينبغي أن تسعى عمليات وآليات العدالة الانتقالية إلى تعزيز البيئة الحامية للأطفال في أسرهم ومجتمعاتهم.

6. التأكيد على مركزية الضحايا في تصميم وتنفيذ عمليات وآليات العدالة الانتقالية



تعترف برامج العدالة الانتقالية الناجحة بمركزية الضحايا ووضعهم الخاص في تصميم وتنفيذ هذه العمليات. يجب على الأمم المتحدة احترام حقوق الضحايا والدعوة لمشاركتهم في النقاشات عندما تكون العمليات الانتقالية قيد النظر. تعد المشاورات الوطنية، التي يتم فيها إشراك الضحايا والفئات المستبعدة تقليديًا بشكل صريح، فعالة بشكل خاص في تمكينهم من التعبير عن أولوياتهم لتحقيق السلام المستدام والمساءلة من خلال آليات العدالة الانتقالية المناسبة. يتطلب وضع الضحايا في قلب هذه العملية أيضًا ضمان احترام حقوق وآراء الضحايا بالكامل في تنفيذ عمليات العدالة الانتقالية، بما في ذلك من خلال استخدام إجراءات تراعي حساسية الضحايا تضمن سلامتهم وكرامتهم، وتطوير قدرات محددة لمساعدة ودعم وحماية الضحايا والشهود.

7. تنسيق برامج العدالة الانتقالية مع المبادرات الأوسع لسيادة القانون حتى تدعم بعضها البعض بشكل إيجابي



غالبًا ما يتم تنفيذ إجراءات العدالة الانتقالية في سياقات يتم فيها استهداف الجهود الوطنية والدولية لتعزيز سيادة القانون بشكل عام. تعمل الأمم المتحدة على تعزيز الأنظمة الوطنية لإدارة العدالة والأمن، بما في ذلك عمليات حل النزاعات الرسمية وغير الرسمية، وبناء القدرات، وتقديم المشورة والمساعدة الفنية. يجب إيلاء العناية الواجبة للتقاليد الأصلية وغير الرسمية لإدارة العدالة أو حل النزاعات، لدورها المستمر في هذا المجال وامتثالها للمعايير القانونية الدولية.

يجب أن تضمن الأمم المتحدة أن برامج العدالة الانتقالية، بطبيعتها الاستثنائية وذات المدة المحدودة، يتم تنسيقها وتعزيزها بشكل إيجابي من خلال جهود الإصلاح الأوسع نطاقًا في مجال العدالة والأمن، وذلك بهدف تعزيز البنية العامة لسيادة القانون في البلد وأي إطار شامل لبناء السلام إن وجد.

8. تشجيع نهج شامل يدمج مجموعة مناسبة من العمليات والآليات الانتقالية

تتطلب البرامج الفعّالة للعدالة الانتقالية اتباع نهج متماسك وشامل يدمج مجموعة واسعة من العمليات والآليات القضائية وغير القضائية، بما في ذلك البحث عن الحقيقة، والمبادرات القضائية، وبرامج التعويضات، والإصلاح المؤسسي بما في ذلك عمليات التحقق، أو مزيجًا مناسبًا منها. من خلال التخطيط الدقيق وإجراء مشاورات موسعة مع أصحاب المصلحة الوطنيين، ينبغي للأمم المتحدة دعم الجهات الوطنية المعنية في النظر في قضايا مثل الولاية القضائية، وجمع الأدلة، وحماية الضحايا والشهود، وذلك لضمان تكامل مختلف آليات العدالة الانتقالية بشكل إيجابي في البيئات ما بعد النزاع أو الانتقالية.

9. السعي لضمان أن تأخذ عمليات وآليات العدالة الانتقالية في الاعتبار الأسباب الجذرية للصراع أو الحكم القمعي، ومعالجة انتهاكات جميع الحقوق بما في ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية



لا يؤدي انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى تفاقم التوترات الاجتماعية أو السياسية التي تؤدي إلى الصراع أو القمع فحسب، بل غالبًا ما تتسبب النزاعات أو القمع في انتهاكات إضافية لهذه الحقوق. تتطلب الاستراتيجيات الناجحة للعدالة الانتقالية أن تأخذ في الاعتبار الأسباب الجذرية للصراع أو الحكم القمعي، وأن تسعى إلى معالجة الانتهاكات المتعلقة بجميع الحقوق، بما في ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (مثل فقدان أو الحرمان من حقوق الملكية). لا يمكن أن يسود السلام إلا إذا تم تناول قضايا مثل التمييز المنهجي، والتوزيع غير العادل للثروة والخدمات الاجتماعية، والفساد المستشري بطريقة مشروعة وعادلة من قبل المؤسسات العامة الموثوقة.

10. الانخراط في التنسيق الفعال وبناء الشراكات في تصميم وتنفيذ عمليات وآليات العدالة الانتقالية



يشمل عمل الأمم المتحدة في مجال سيادة القانون والعدالة الانتقالية مجموعة متنوعة من الأنشطة التي تنفذها كيانات متعددة في منظومة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الأوسع. تتطلب المبادرات الناجحة للعدالة الانتقالية الدعم المستمر والمشاركة الفعالة لجميع الجهات الفاعلة ذات الصلة التي تعمل معًا بطريقة منسقة. تم تطوير “أدوات سيادة القانون للدول الخارجة من النزاع” (Rule of Law Tools for Post-Conflict States) المستندة إلى معايير حقوق الإنسان الدولية والتجارب وأفضل الممارسات المتراكمة من عمليات الأمم المتحدة الميدانية لضمان قدرة طويلة الأجل لبعثات الأمم المتحدة الميدانية والإدارات الانتقالية والمجتمع المدني على الاستجابة لمتطلبات العدالة الانتقالية.




تشمل برامج العدالة الانتقالية العناصر التالية:

1. المبادرات القضائية

تهدف المبادرات القضائية إلى ضمان محاكمة المسؤولين عن الجرائم، بما في ذلك الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وفقًا للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة ومعاقبتهم عند الاقتضاء. إن مصداقية وشرعية المبادرات القضائية تتطلب أن تُجرى بطريقة غير تمييزية وموضوعية بغض النظر عن هوية الجناة المزعومين.

تتحمل الدول المسؤولية الأساسية عن ممارسة الولاية القضائية على هذه الجرائم. لذلك، فيما يتعلق بالجرائم المزعومة التي ارتُكبت في سياق النزاع أو الحكم القمعي، تسعى برامج العدالة الانتقالية إلى تعزيز أو تطوير القدرات الوطنية في مجالات التحقيق والملاحقة القضائية، والقضاء المستقل والفعال، وتوفير الدفاع القانوني الملائم، وحماية ودعم الضحايا والشهود، وتوفير مرافق إصلاحية إنسانية.

يجب أن تكون التشريعات الوطنية متوافقة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي. قد تكون هناك حاجة إلى مساعدة المجتمع الدولي في عمليات الاستخراج، والتحليل الجنائي، والتحقيق في الجرائم الجماعية، والحفاظ على الأدلة. يجب أن تتم الإجراءات القضائية بشكل موضوعي وعادل وفي الوقت المناسب، وفقًا للمعايير الدولية. يمكن أن تكون المراقبة النظامية للنظام القضائي أداة مفيدة لتقييم وتحسين فعاليته وامتثاله للمعايير الدولية.

في الوقت نفسه، قد تكون الدول الناشئة من نزاعات طويلة أو حكم قمعي غير قادرة أو غير راغبة في إجراء تحقيقات وملاحقات فعالة. في مثل هذه الحالات، يمكن أن تمارس المحاكم الدولية والمختلطة الولاية بالتوازي. إن إنشاء هذه المحاكم يمثل إنجازًا تاريخيًا في السعي للمساءلة عن الجرائم الدولية. عند إنشاء محكمة دولية أو مختلطة، من الضروري إعطاء الأولوية لاعتبار إرثها في البلد المعني بالإضافة إلى استراتيجية الخروج. إن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، التي تعد المحكمة الدولية الدائمة الوحيدة، يمثل أحدث التطورات المهمة في مكافحة الإفلات من العقاب. تعمل المحكمة الجنائية الدولية على أساس مبدأ التكامل كما هو موضح في المادة 17 من النظام الأساسي لروما. وبالتالي، يجب أن تساهم أيضًا في تطوير القدرات الوطنية لتقديم الجناة المزعومين للجرائم الدولية إلى العدالة.

2. المبادرات المتعلقة بحق معرفة الحقيقة

تساعد عمليات البحث عن الحقيقة المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية أو ما بعد النزاع في التحقيق في الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان، وتُجرى من خلال لجان الحقيقة أو لجان التحقيق أو بعثات البحث عن الحقائق الأخرى. تدعم العديد من الهيئات المعاهدة والمحاكم الإقليمية والدولية حق الأفراد في معرفة الحقيقة. لجان الحقيقة هي هيئات غير قضائية أو شبه قضائية، تقوم بجمع بيانات حول أنماط العنف السابقة، وتكشف عن أسباب ونتائج هذه الأحداث المدمرة. كل لجنة تحقق هي مؤسسة فريدة من نوعها، لكن الأنشطة الأساسية لها عادةً ما تشمل جمع الشهادات من الضحايا والشهود، وإجراء بحوث موضوعية، بما في ذلك التحليل الجندري وحقوق الأطفال حول الانتهاكات بما في ذلك أسبابها ونتائجها، وتنظيم جلسات استماع عامة وبرامج توعية أخرى، ونشر تقرير نهائي يتضمن النتائج والتوصيات.

تسعى لجان التحقيق والآليات الأخرى للبحث عن الحقائق إلى فك شفرة الحقيقة خلف مزاعم الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان، ولكنها عادةً ما تعمل بموجب تفويضات محددة. يعد توثيق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خطوة مهمة نحو تحقيق الحق في المعرفة.

تتطلب التنفيذ الفعّال للحق في معرفة الحقيقة وجود نظام أرشيفي وطني قوي. ومع ذلك، في العديد من المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية أو ما بعد النزاع، تكون هذه الأنظمة ضعيفة أو غير موجودة، وعرضة للجهود الرامية إلى تدمير الأدلة على انتهاكات حقوق الإنسان. علاوة على ذلك، تنتج برامج العدالة الانتقالية مستندات خاصة بها، والتي ينبغي أرشفتها بعد ذلك، لأنها تمثل مصدرًا غنيًا من المعلومات بشأن تاريخ النزاع أو الحكم القمعي. تعتبر حماية الضحايا والشهود الفعالة أيضًا ضرورية لضمان الحق في المعرفة لكل من الضحايا والمجتمعات.

3. تقديم التعويضات

تهدف برامج التعويضات إلى معالجة الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان من خلال تقديم مجموعة من المنافع المادية والرمزية للضحايا. يمكن أن تشمل التعويضات تعويضات مالية، وخدمات طبية ونفسية، ورعاية صحية، ودعم تعليمي، وإعادة الممتلكات أو تعويضات عن فقدانها، وكذلك اعتذارات عامة، وبناء المتاحف والنُصُب التذكارية، وإقامة أيام للتذكر. أكدت الجمعية العامة على حق الضحايا في الحصول على التعويضات في المبادئ التوجيهية الأساسية بشأن الحق في الانتصاف والتعويض عن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة والانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي. يمكن أن تتخذ وسائل الإنصاف أشكالًا متنوعة، بما في ذلك الاستعادة، والتعويض، والتأهيل، والاعتراف، وضمان عدم التكرار.

أظهرت التجارب أن برامج التعويض الأكثر نجاحًا تُصمم بالتشاور مع المجتمعات المتضررة، وخاصة ضحايا الجماعات النسائية. يمكن أن تكون برامج التعويض أيضًا وسائل فعالة وسريعة لاستكمال عمليات البحث عن الحقيقة والمبادرات القضائية، من خلال تقديم  واضحة للضحايا، وتعزيز المصالحة، واستعادة الثقة العامة في الدولة. وبالمثل، من المهم أن تطور الدول، أثناء تطوير وتنفيذ برامج العدالة الانتقالية، برامج رسمية ومبادرات شعبية لإحياء ذكرى الضحايا، وتعليم المجتمع، والحفاظ على الذاكرة التاريخية.

4. الإصلاح المؤسسي
يجب تحويل المؤسسات العامة التي ساهمت في  الصراع أو الحكم القمعي إلى مؤسسات تدعم السلام، وتحمي حقوق الإنسان، وتعزز ثقافة الاحترام لسيادة القانون. من خلال إصلاح أو بناء مؤسسات عامة عادلة وفعالة، يساهم الإصلاح المؤسسي في تمكين الحكومات الانتقالية وما بعد النزاع من منع حدوث انتهاكات مستقبلية لحقوق الإنسان. تعتبر عملية فرز أعضاء الخدمة العامة، لا سيما في قطاعات الأمن والعدالة، خطوة حاسمة لتيسير هذا التحول، من خلال إبعاد الموظفين العموميين المسؤولين عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان عن المناصب أو الامتناع عن توظيفهم.

قد يشمل ذلك أيضًا حل وحدات عسكرية أو شرطية أو أمنية أخرى قد تكون مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان بشكل منهجي. يجب أن يتم إبعاد هؤلاء الأفراد وفقًا للإجراءات القانونية ووفقًا لمبدأ عدم التمييز. يجب أن يشمل الإصلاح المؤسسي أيضًا برامج تدريب شاملة للموظفين العموميين على المعايير المعمول بها في مجال حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

5. المشاورات الوطنية



تعد المشاورات الوطنية عنصرًا حاسمًا في النهج القائم على حقوق الإنسان للعدالة الانتقالية، المبني على مبدأ أن برامج العدالة الانتقالية الناجحة تتطلب مشاركة عامة ذات مغزى، بما في ذلك أصوات الرجال والنساء. تكشف المشاركة العامة عن احتياجات المجتمعات المتضررة من النزاع أو الحكم القمعي، مما يسمح للدول بصياغة برنامج للعدالة الانتقالية يتناسب مع السياق المناسب. علاوة على ذلك، تساعد عملية المشاورة الضحايا وأعضاء المجتمع المدني الآخرين في تطوير الملكية المحلية للبرنامج الناتج. على الرغم من أن المشاورات الوطنية يمكن أن تشكل تصميم استراتيجية شاملة للعدالة الانتقالية، إلا أنه يمكن أيضًا أن تحدث في سياق آلية محددة، مثل خلال مراحل التخطيط للجنة تحقيق أو برنامج تعويضات.

ينبغي للأمم المتحدة تسهيل عملية المشاورات الوطنية من خلال تنظيم منتديات للنقاش، وتقديم المشورة القانونية والفنية، وتعزيز مشاركة الفئات المستبعدة تقليديًا مثل الضحايا والأقليات والنساء والأطفال، ودعم بناء القدرات، وتعبئة الموارد المالية والمادية.

ترتبط مسألة المشاورات الوطنية بقضية التواصل. يعتمد تأثير واستدامة عمليات العدالة الانتقالية إلى حد كبير على ضمان فهمها والتواصل بشأنها بشكل متماسك خلال وبعد تنفيذها. يتطلب التواصل الفعال التخطيط الدقيق خلال مرحلة التصميم وتوفير موارد كافية.

ج. طرق تعزيز أنشطة الأمم المتحدة في مجال العدالة الانتقالية

أخذًا بعين الاعتبار التطورات الناشئة في القانون الدولي، والمبادئ المرسومة في هذه المذكرة، واحتياجات الأمم المتحدة، بما في ذلك تواجدها في الميدان، ينبغي دمج النهج التالية في أنشطة العدالة الانتقالية للأمم المتحدة:

1. اعتماد نهج للعدالة الانتقالية يسعى لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع أو الحكم القمعي، ومعالجة الانتهاكات ذات الصلة لجميع الحقوق، بما في ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

تكليف لجان الحقيقة، عند الاقتضاء، لفحص انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتقديم التوصيات حول أفضل السبل لمعالجة هذه الانتهاكات؛

التحقيق في الجرائم بموجب القانون الوطني أو الدولي حيثما يتعلق الأمر بانتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذلك الحقوق المدنية والسياسية؛

معالجة انتهاكات حقوق الضحايا في مجالات الصحة، والإسكان، والتعليم، والقدرة الاقتصادية من خلال تدابير التعويض، وضمان أن يتم أخذ التعويض عن انتهاكات حقوق النساء والرجال في الاعتبار عند تصميم مثل هذه البرامج؛

ضمان وصول الضحايا غير التمييزي إلى الخدمات الحكومية؛

اعتماد وتعديل وتعزيز التشريعات الأساسية لضمان الاعتراف الوطني وحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومبدأ عدم التمييز؛

إدراج الحماية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى بنود عدم التمييز، في اتفاقيات السلام والدساتير.

2. أخذ اعتبارات حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية بعين الاعتبار أثناء عمليات السلام

تشجيع الأطراف على تضمين التزامات لحماية وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة الإفلات من العقاب، والسعي لتحقيق العدالة الانتقالية في اتفاقيات السلام؛
الإصرار على عدم منح اتفاقيات السلام العفو عن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛

تشجيع تطوير عمليات العدالة الانتقالية، مع الاعتراف بأنها يمكن أن تعزز بعضها البعض وأنها ليست متعارضة (مثل البحث عن الحقيقة، والملاحقات القضائية، والتعويضات)؛

تشجيع الأطراف على الاعتراف بالأضرار التي لحقت بالنساء والأطفال في اتفاقيات السلام؛

تزويد وسطاء الأمم المتحدة بالخبرة ذات الصلة في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية ضمن نظام الأمم المتحدة؛

ضمان مشاركة خبراء حقوق الإنسان من الأمم المتحدة أثناء مفاوضات السلام؛

دعم المشاورات الواسعة حول قضايا العدالة الانتقالية، بما في ذلك مشاركة الضحايا والمجتمعات المهمشة الأخرى؛

تشجيع النساء والأطفال على المشاركة بنشاط في عملية السلام، من خلال مشاركة تجاربهم الخاصة المرتبطة بالنزاع، وأولوياتهم لتحقيق السلام المستدام والمساءلة من خلال آليات العدالة الانتقالية المناسبة؛

دعم تعزيز القدرات الوطنية لتصميم وتنفيذ عمليات وآليات العدالة الانتقالية؛

دعم الجهود لتقييم حالة النظام الوطني للأرشفة، وتعزيز هذه القدرات حسب الحاجة.



3. تنسيق مبادرات نزع السلاح، والتسريح، وإعادة الإدماج (DDR) مع عمليات وآليات العدالة الانتقالية، عند الاقتضاء، بطريقة تعزز بعضها البعض بشكل إيجابي

الإصرار على استبعاد الذين ارتكبوا أو ضدهم اتهامات، أو تحقيقات قضائية، أو مزاعم موثوقة بارتكاب جرائم خطيرة من إعادة الإدماج في الهياكل الوطنية للشرطة أو الجيش؛

تصميم مبادرات DDR بالتنسيق مع برامج التعويضات لمكافحة انطباعات عدم المساواة في معالجة المقاتلين السابقين والضحايا. يمكن أن تساعد برامج التعويضات التي تقدم الإنصاف للمجتمعات المتأثرة بالنزاع في تخفيف مشاعر الاستياء التي قد يحتفظ بها الضحايا والمجتمعات تجاه المقاتلين السابقين الذين يتلقون DDR؛

دمج نهج جندري في مبادرات DDR تتناول الانتهاكات التي تعرضت لها المقاتلات السابقات والنساء والفتيات المرتبطات بالقوات المسلحة والجماعات. ينبغي أن تكون الفوائد الخاصة بإعادة الإدماج موجهة إلى الفئات الضعيفة بشكل عام لتجنب وصمها؛

تسهيل إعادة إدماج المقاتلين السابقين في المجتمعات المتأثرة بالنزاع من خلال تشجيعهم على المشاركة في عمليات البحث عن الحقيقة ومنحهم الفرصة للكشف عن تجاربهم في النزاع؛

استخدام المبادرات القضائية للتمييز بين مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان من المقاتلين السابقين الآخرين، مما يقلل من الانطباع العام بأن مبادرات DDR تعيد إدماج جميع المقاتلين السابقين دون النظر إلى الجرائم التي قد يكونوا قد ارتكبوها.
الخاتمة

إن تقديم الدعم للعدالة الانتقالية من خلال العمليات والأدوات المناسبة أمر ضروري للأمم المتحدة للمساهمة في تحقيق السلام والمصالحة المستدامة.

تسعى الأمم المتحدة لتعزيز مبادئ العدالة الانتقالية في سياقات ما بعد النزاع والحكم القمعي لضمان أن تُبنى المجتمعات على أسس من الاحترام لحقوق الإنسان وسيادة القانون، وذلك لتحقيق السلام الدائم والشامل.

المصادر

مفهوم و تحديات جبر الضرر الاجتماعي” المركز الدولي للعدالة الانتقالية ” –

ادوات سيادة ال قانون لدول ما بعد الصراع” مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان “-

مدخل اليات عمل العدالة الانتقالية”  للباحث كريم محروس “-

لجان تقصي الحقائق و المنظمات غير الحكومية المركز الدولي للعدالة الانتقالية –

العدالة الانتقالية و المصالحة الوطنية في العالم العربي دكتور /رضوان زيادة-

مجلة القانون الدستوري في الشرق الاوسط و شمال افريقيا –