إنّ الحرية الشخصية هي حق طبيعي في حياة الإنسان، وتعتبر أسمى حقوق الفرد وأقدسها ولا تقل عن الحق في الحياة ذاته لذلك يقرن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العاشر من ديسمبر عام 1948 في المادة الثالثة منه حق الإنسان في الحرية مع حق الإنسان في الحياة، حيث تنص المادة الثالثة على أن ” لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان علي شخصه”
لذلك فإنّ سياسة الإخفاء القسري التي تتبعها الحكومات المستبدة في بلدان عديدة وعلى نحو مستمر تجاه المعارضين من أخطر الانتهاكات لحقوق الإنسان، حيث ينتهك حق الشخص في الحياة وحقه في الحرية وفي أمنه وحقه في المعاملة الكريمة وعدم إيذائه بدنيًا أو تعذيبه أو إحتجازه في أماكن غير الأماكن الخاضعه للقوانين التي تنظم السجون وحقه في الأعتراف بشخصيته القانونية، ونظرًا للأهمية البالغة لموضوع الإختفاء القسري، فأصبحنا بحاجة إلي تأكيد لبيان هذه الأهمية والإشارة إلى علاقة هذا الموضوع بالحرية الشخصية وحقوق الإنسان ممّا يعد الإختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية.
الإختفاء القسري من أسوأ الانتهاكات لحقوق الانسان إذ يحرم الأفراد من الحماية القانونية وينتهك حقهم في الحرية والأمان الشخصي ويجعلهم عرضه لأخطر أنماط الأنتهاكات فهي من الوسائل الغير مشروعة التي تستخدمها الحكومات المستبدة ضد المعارضين لها
تعد جريمة الاختفاء القسري للمعارضين أخطر صور الانتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان، لأنّها تُمثل إنتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وحريته التي كفلتها المواثيق الدولية
الحق في الحياة والأمان الشخصي
لا شك انّ موت شخص تحت وطأة التعذيب أو المعاملة القاسية أو إعدامه تعسفًا خارج الإطارالقانوني يُشكّل إنتهاكًا صريحًا لما جاء بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص في المادة الثالثة منه على أنّ ” لكل فرد حق في الحياة والحرية والأمان على شخصه ” وهو الذي أكد عليه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ولا شك أنّ الإختفاء القسري يهدر كافة حقوق الشخص حينما يتم اعتقاله بطرق سرية أو بطريق الإختطاف ويهدر حقه في الطعن على أسباب اعتقاله ويهدر حق الشخص في عدم تعرضه للتعذيب أوالمعاملة اللاإنسانية والمُهينة له، فضلًا عن أنّ الإخفاء القسري لشخص يلغي مبدأ افتراض البراءة فالمتهم بريء حتّى تثبت إدانته بموجب حكم قضائي من خلال محاكمة عادلة من جانب السلطة القضائية، فبالتالي فالاختفاء القسري يلغي هذا المبدأ تمامًا وكذلك مبدأ المساواة أمام القانون وعدم التمبيز هو مبدأ تسير به الأنظمة القانونية وهو مبدأ قانوني عام لا يجوز الخروج عليه من خلال الوسائل الغير قانونية كالاختفاء القسري
الإبعاد أو النقل القسري للسكان في إطار لجنة القانون الدولي
أكدت لجنة القانون الدولي على جريمة الإبعاد أوجريمة النقل القسري حيث يعد من الإختفاء القسري كل من الترحيل القسري أو النقل القسري فكل منهم يتم بشكل لا إرادي أيّ قسريًا ويتفق الأختفاء القسري مع كل من الترحيل أو الإبعاد القسري فكل منهم يعد جريمة ضد الإنسانية طبقًا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
الإختفاء القسري والحبس الأحتياطي
يعد موضوع الحبس الاحتياطي من الموضوعات الجوهرية نظرًا لتعرضه بالمساس لقيمة أساسية لكل فرد وهي حريته الشخصية في التنقل التي كفلتها كافة الدساتير الوطنية والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان ولتعارضه الواضح مع مبدأ من المبادئ العامة للقانون وهو مبدأ افتراض براءة المتهم ودرجت غالبية تشريعات الإجرءات الجنائية المختلفة في عدم تعريف الحبس الاحتياطي، لذلك لم يتطرق المشرع المصري لتعريف الحبس الإحتياطي تركًا إشكالية التعريفات وضبطها لاجتهاد كل من الفقه والقضاء.
ويمكن القول أنّ المشرع يجمع بين الاختفاء القسري والحبس الاحتياطي حيث أن كل منهما ينطوي علي سلب لحرية الفرد أو المساس بها ويترتب عليه تقييد لحرية الفرد سواء في الحركة أو في التنقل يإيداعه في مكان غير معروف دون أنّ يصدر ضد الشخص المختفي أو المحبوس احتياطيًا أحكام سالبة للحرية.
أولًا: من حيث الطبيعة القانونية للإجراء
أكد جانب من الفقه في هذا الصدد إلى أنّ قانون الإجراءات الجنائية الألماني ينص في المادة (112) منه على أنّ الحبس الاحتياطي يكون خشية من فرارالمتهم أو شبهة هروبه وخشية المساس بأدلة الدعوي أو العودة إلى ارتكاب الجريمة وخلص أن هذه الأسباب تتفق بوجه عام مع أسباب الحبس الأحتياطي.
أمّا الأختفاء القسري فهو فعل غير مشروع ولا يستند إلي أي نص قانوني لتشريع عادي أو استثنائي.
ثانيًا: من حيث الشروط الواجب توافرها لاتخاذ الإجراء
لا يشترط في فعل الاختفاء القسري اتخاذ أي إجراءات قانونية محددة منصوص عليها في القانون فيكفي أنّ يتم الأعتقال السياسي استنادًا إلى قرار إداري صادر من إحدى سلطات الدولة المختصة دون إجراء تحقيق مسبق ودون أنّ تكون هناك ثمّة جريمة تم إسنادها للفرد الذي يصدر قرار الأعتقال بشأنه كما لا يشترط أية شروط خاصة بالشخص محل الاختفاء القسري.
أمّا بالنسبة للحبس الاحتياطي فأنّه لا يجوز إصدار القرار إلا من خلال توافر شروط معينة وهي أنّ يكون وجود دلائل كافية علي ارتكابه واقعة تُشكّل جناية أو جنحة مُعاقب عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ووجوب استجواب المتهم ويجب أنّ يكون المتهم قد جاوز الخمس عشرة سنة من عمره.
تسبيب أمر الحبس الاحتياطي
يعد تسبيب الأمر بالحبس الاحتياطي طبقًا لما ذهب إليه جانب من الفقه ضمانة مهمة يفرض على السلطة المختصة بإصداره أن تدقق في الأوراق قبل إصدارها للأمر ومن شأن تسبيب أمر الحبس أن يمنح المتهم فرصة الدفاع عن نفسه من خلال الرد على الأسباب والمبررات التي استند إليها الأمر بحبسه إحتياطيًا
أمّا بالنسبة للتظلم من الأوامر الصادر بالحبس الاحتياطي حيث ينص قانون الإجراءات الجنائية المصري علي أنّ للمتهم أنّ يستأنف الأمر الصادر بحبسه احتياطيًا أو بمد هذا الحبس.
أمّا بالنسبة لفعل الاختفاء القسري هناك نوعان من تلك الاختفاء؛ أولهما الاختفاء الكلي وهو لفترة غير محدودة المدة ويتحقق الاختفاء الكلي عندما يتم القبض أو الاعتقال دون سبب قانوني مشروع ينص عليه قانون الدولة، وثانيهما أن الاختفاء الجزئي قد يكون لفترة محددة.
أمّا بالنسبة للتظلم من قرار الاختفاء القسري فأنّ ليس هناك أي تنظيم قانوني داخلي لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري
يعد الاختفاء القسري من الجرائم ضد الإنسانية المُستحدثة في القانون الدولي الجنائي حيث لم تظهر هذه الجرائم بصفة رسمية إلا بعد الحرب العالمية الثانية عندما جاء النص عليها لأول مرة في النظام الأساسي للمحكمتين الدوليتين لنورمبرج وطوكيو وبالمبدأ السادس من مبادئ نورمبرج ويعد تأثيم الأفعال المكوّنة لهذه الجرائم وسيلة فعالة لتوفير الحماية الجنائية لحقوق الإنسان في وقت السلم أو في وقت النزاعات بل ويمثل أحد الضمانات الأساسية للحد من طغيان الحكام الذين يتنكرون للقيم الإنسانية العليا ويهدرون حقوق بعض الفئات أو الجماعات الإنسانية.
والجريمة ضد الإنسانية تكون متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين كالقتل العمد والإبادة والاسترقاق وإبعاد السكان أو النقل القسري للسكان أو السجن أو الحرمان الشديد علي أي نحو أخر من الحرية البدنية بما يخالف القوانين الأساسية للقانون الدولي والتعذيب والأغتصاب أو الاستبعاد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو اضطهاد أية جماعة محددة لأسباب سياسية أو عرقية أو أثنية أو ثقافية أو دينية.
لتحديد أركان جريمة الاختفاء القسري يتعيّن على المشروع الوطني طبقا للمادة (2) من الاتفاقية إذا كان يتبع نهج تعريف الاختفاء القسري فإنه يحرص أن تكون صياغته لهذا التعريف يتوافق تمامًا مع الاتفاقية.
وتتكون جريمة الاختفاء القسري شأنها في ذلك شأن أي جريمة من أركان عامة وتتمثل في ركنين أساسين هما الركن المادي والركن المعنوي:
أولًا: يتكون الركن المادي بصفة عامة من ثلاث عناصر وهم:
1 – السلوك الإجرامي ” الفعل “
2 – النتيجة الإجرامية المترتبة على السلوك الإجرامي.
3 – علاقة السببية تربط بين السلوك والنتيجة لذا فإن جريمة الاختفاء القسري تتكون من ركن مادي يعكس السلوك الإجرامي المتمثل في ارتكاب أحد من الأفعال المادية.
أشارت المادة الثانية من الأتفاقية الدولية إلى رفض السلطات المعنية الاعتراف بحرمان الشخص من حريته والإنكار المستمر لمصيره أو مكان وجوده ولا شك أن هذا الإنكار يحرم الشخص المختفي من الاتصال بمن يرى إبلاغه بما وقع عليه والاستعانة به عنه على وجه السرعة وإعلامه بالتهم الموجهة إليه كما يحرمه وأقاربه والمدافع عنه من التظلم أمام القضاء من الإجراء الذي قيد حريته.
يراعي المشرع الوطني لدولة طرف الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري أنّ لا يتمتع بسلطة مطلقة عند صياغته لنصوص تشريع جنائي خاص للاختفاء القسري بل يتعيّن عليه مراعاة الالتزامات التي أوجبتها الاتفاقية علي عاتق الدول الأطراف. وتلك الالتزامات تتمثل في قيود ويتم تناول تلك القيود وهي مصدرها الأتفاقية الدولية التي يتعيّن على المشرع الوطني مراعاتها من خلال النقط الآتية:
أولًا: حظر التذرع بأي ظروف استثنائية لتبرير فعل الاختفاء القسري
ثانيًا: القيود المتعلقة بالمسئولية الجنائية.
ثالثًا: القيود المتعلقة بالعقوبة والظروف المشددة والمخففة لها وتقادمها
رابعًا: القيود المتعلقة بضمان الاختصاص بالولاية القضائية.
خامسًا: القيود المتعلقة بتسليم الأشخاص المتسببة في ضلوعهم في أفعال اختفاء قسري أو المتهمين أو المدانين بارتكابها.
المحكمة الجنائية الدولية هي منظمة دولية دائمة أنشئت بموجب معاهدة لغرض التحقيق ومحاكمة الأشخاص الذين يرتكبون أشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي وهي جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وهناك التزامات قانونية للتحقيق ومخاكمة أو تسليم هؤلاء الأشخاص المتهمين بإرتكاب مثل هذه الجرائم وإنّ اختصاص المحكمة الجنائية الدولية يكون احتياطيًا ومكملًا لاختصاص المحاكم الجنائية الوطنية كل ذلك تأكيدًا لاحترام مبدأ سيادة الدول علي أقاليمها، وفي هذا الصدد تنص الفقرة (10) من ديباجة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أنّ الدول الأطراف في هذا النظام الأساسي تؤكد أنّ المحكمة المُنشأة بموجب هذا النظام الأساسي ستكون مكملة للولايات القضائية الجنائية وكذلك فأنّ للمحكمة الجنائية الدولية أنّ تمارس اختصاصها فيما يتعلق بالجرائم المنصوص عليها في المادة(5) من النظام الأساسي إذا أحال مجلس الأمن متصرفًا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أنّ جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت
وعندما يحيل مجلس الأمن جريمة الاختفاء القسري مثلًا فأنّه يتصرف طبقّا لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وعنوانه الإجراءات التي تتخذ في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان، والغرض أنّه عند ممارسة مجلس الأمن لهذه السلطة يجب أنّ يستند قراره بالإضافة إلى الشروط المتعلقة بأنّ تكون الجريمة المرتكبة منطوية على تهديد السلم والأمن الدوليين إلى اعتبارات العدالة الجنائية الدولية وألا يكون للاعتبارات السياسية دورًا في هذا الشأن.
إنّ الجرائم التي تنطوي على انتهاك لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية تؤثر بشكل ما على السلم والأمن الدوليين وأنّه من خلال إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 1992 والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري تم استهداف في المقام الأول الحد من ارتكاب جرائم الاختفاء القسري ومكافحتها وذلك عن طريق الإجراءات المتمثلة بتجريم أفعال الاختفاء القسري.
الملاحقة القضائية لمرتكبي جرائم الاختفاء القسري
يعد اتباع نهج يتعلق بتضييق الخناق على مرتكبي جرائم الاختفاء القسري عظيم الأثر والفعالية لأنّه يهدف إلى عدم إفلات مرتكبي انتهاكات حقوق الأنسان من العقاب وملاحقتهم وتعقبهم بصورة دائمة والتأكد من استيفائهم للعقوبات الواجب تطبيقها عليهم.
مبدأ المحاكمة أو التسليم في الجرائم الدولية
يتمثل الغرض الأساسي من تجريم السلوك الضار سواء على المستوي الوطني أم الدولي في الحيلولة دون ممارسة هذا السلوك من خلال الردع العام غير أنّ الردع العام لا يصبح فعالًا إلا من ترجيح محاكمة الفاعل وعقابه ومع ذلك يعتمد العقاب على وجود كيان يضطلع بالمحاكمة فضلًا عن سلطة تنفيذية لتنفيذ العقوبات النهائية التي يتعرض المحكوم عليهم بالإدانة ونظرًا إلى أنّ الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية إحدى فئات الجرائم الدولية فهناك واجب عام يقضي بالمحاكمة أو التسليم ومن ثمّ فعلى جميع الدول دون استثناء واجب يتمثل في المحاكمة أو التسليم.
الأساس القانوني لمبدأ المحاكمة أو التسليم
وتأكيدًا على واجب محاكمة الأشخاص الذين يرتكبوا جرائم ضد الإنسانية دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول الوفاء بهذا الالتزام في قرار أصدرته عام (1973) تحت عنوان مبادئ التعاون الدولي في اكتشاف واعتقال وتسليم ومعاقبة الأشخاص المذنبين في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وتكون جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أيًا كان المكان الذي ارتكبت فيه موضع تحقيق ويتم البحث عن الأشخاص الذين توجد أدلة علي أنّهم قد ارتكبوا مثل هذه الجرائم ويعتقلون ويقدمون للمحاكمة
المبدأ في إطار الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري عام 2006م
تشتمل تلك الاتفاقية على عدد من الأحكام التي تتعلق بالاختصاص القضائي والمحاكمة وتسليم المطلوبين، فتتخذ كل دولة طرف في الاتفاقية أيضًا التدابيراللازمة لإقرار اختصاصها بالبت في جريمة الاختفاء عندما يكون مرتكب الجريمة المفترض متواجدًا في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية.
مبدأ عدم سقوط الجرائم ضد الإنسانية بالتقادم
تأخذ الكثير من الأنظمة الوطنية بنظام تقادم الدعوى الجنائية وتقادم العقوبات بالنسبة للجرائم التي ترتكب في إطار نظامها القانوني وذلك بتحديد فترة زمنية معينة لأنقضائها وفقًا لشروط معينة يسقط بعدها الحق في إقامة الدعوى الجنائية أو تسقط العقوبة المحكوم بها وعادة تختلف هذه المدة الزمنية حسب درجة جسامة الفعل المرتكب أو العقوبة المقررة وذلك فقد حرص المجتمع الدولي على تأكيد عدم قابلية الجرائم الدولية للخضوع لنظام التقادم..
الاختصاص الجنائي العالمي
زاد أهمية موضوع الاختصاص الجنائي العالمي بالنظر إلي تشابك العلاقات الدولية وسهولة انتقال الأشخاص والأموال وانتشار الجرائم المنظمة عبر الحدود الوطنية بل تزايدها وتفرع أشكالها وانعكاس ما يحدث في بعض الدول علي مصالح دول أخرى.
التعريف بالاختصاص الجنائي العالمي
الاختصاص يعني بوجه عام نصيب كل محكمة من الولاية الممنوحة للقضاء من الدعاوي التي تقررت لها ولاية الفصل فيها فتكون لها الصلاحية في مباشرتها وبسط سلطاتها للتصرف فيها.
الطبيعة القانونية للاختصاص الجنائي العالمي ويكون اختصاص تكميلي واحتياطي
الأساس القانوني للاختصاص الجنائي العالمي فإن الجرائم الدولية بأنواعها وأشكالها المتعددة تنال من البشرية جمعاء مما يشعر المجتمع الدولي بأسره بضرورة ملاحقة مرتكبها بوصفه التزامًا أمرًا دوليًا بل واجب شرعي يتعيّن العمل على تحقيقه بصرف النظرعن أي اتفاق إرادي ثنائي أو جماعي إلا أن هذا الألتزام يظل رهن مصالح الدولة خاضعا لمشيئتها.
مبدأ عدم جواز استفادة مرتكبي جرائم الاختفاء القسري من قوانين العفو
غني عن البيان أنّ مرتكبي الجرائم يمكن وفقًا لما جرى عليه سلوك الدول ومانصت عليه القوانين والأنظمة الوطنية المطبقة فعلًا داخلها أنّ يستفيدوا من العفو الذي تصدره السلطة المختصة بخصوص العقوبة واجبة التطبيق عليهم كليًا أو جزئيًا بسبب ارتكابهم للجريمة وذلك إذا توافرت في حقهم شروط معينة تحددها القواعد القانونية النافذة داخل كل دولة كما أقرت أيضًا مبادئ نورمبرج أنّ القانون الوطني رغم أنّه لايفرض عقوبة على أيّ عمل يُشكّل جريمة بموجب القانون الدولي فإنّه لايعفي الشخص الذي ارتكب العمل من المسؤولية بموجب القانون الدولي ونرى أيضًا أنّ المواثيق الدولية في مجال التصدي للجرائم الدولية والتي يندرج ضمنها الاختفاء القسري كجريمة ضد الإنسانية تتزايد وتتقارب وتكمل بعضها البعض إلى الحد الذي حدا بجانب من الفقه وبحق إلى القول أنّ تلك المواثيق تستوعب وتتبلور في مبدأ تضييق الخناق علي مرتكبي الجرائم الدولية.
مبدأ عدم جواز منح الملجأ لمرتكبي الاختفاء القسري
يتمثل الغرض من هذا المبدأ هو منع مرتكبي الجرائم الدولية التي يندرج ضمنها الجرائم ضد الإنسانية ومنها الاختفاء القسري من الحصول على حق اللجوء الإقليمي أو الدبلوماسي للإفلات من ملاحقتهم ومحاكمتهم وتوقيع العقاب عليهم.
التعاون الدولي لمكافحة الاختفاء القسري
يتضح من استقرار أحكام الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري بشأن التعاون الدولي أنّها تناولت أوجه متعددة ومتنوعة للتعاون الدولي، وقد أثبتت الدراسات الدولية أنّ الجريمة أخذت في التطور والازدياد بما يخل بأمن الجماعة الدولية بأسرها خاصة في ظل التطور المشهود لتنامي معدلات الجريمة بشتى صورها واستخدام المجرم أحدث آليات العصر لمحاولة الإفلات من العقاب وعبور الحدود الدولية للاختفاء عن أعين العدالة، ويمكن القول أن مبدأ التعاون الدولي يعد من المبادئ التي تستند إليها العلاقات الدولية الحالية.
الحماية الدولية لجميع الأشخاص من الاختفاء القسري
يمكن القول أنّ الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام (2006) تعد أبرز نموذج للحماية الدولية الفعالة لحق الإنسان في الحرية والتنقل لذلك حرصت تلك الاتفاقية على تعريف الاختفاء القسري وفي ذات الوقت نصت على حظره فتبين لنا من خلالها صورة من صورالارتقاء بمركز الفرد في نص الاتفاقية بإجازة لأقارب الشخص المختفي أو ممثلهم أنّ يقدموا بصفة عاجلة طلبًا إلى اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري.
العامل واللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري
** حيث يعد الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري والذي تم إنشائه من جانب لجنة حقوق الإنسان من أبرز أهتمامات المجتمع الدولي بحالات الاختفاء القسري حيث كان لها دور ملحوظ وملموس في تخفيف وطأة الألم على قسم من الأسر وليس كل الأسر للأشخاص المختفين وقد فطنت اللجنة لأهمية إنشاء الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري بعد تنامي ظاهرة الاختفاء كما حرصت لجنة حقوق الانسان في إطار قرارها بإنشاء الفريق العامل علي تحديد ولاية تلك الفرق.
الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري
للجمعية العامة طبقا لميثاق الأمم المتحدة سلطة إجراء دراسات وتقديم توصيات بقصد إنماء التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية والإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس ومن منطلق الطابع الخطير الذي تتسم به حالات الاختفاء القسري كرست الجمعية العامة للأمم المتحدة اهتمامًا لهذه الظاهرة البغيضة إزاء حقوق الإنسان لذا طلبت الجمعية العامة من لجنة حقوق الإنسان أنّ تنظر في مسألة الأشخاص المختفيين بغية تقديم توصيات مناسبة وكما حددت لجنة حقوق الإنسان أساليب عمل الفريق العامل والروح الإنسانية الكامنة في ولايته وحث الحكومات المعنية على اتخاذ خطوات لحماية أمر المختفين من أيّ عمليات تخويف أو سوء معاملة قد تتعرض لها
وكما يعد أيضًا الفريق العامل التقارير المتعلقة بحالات الاختفاء مقبولة إذا كانت صادرة عن أسرة الشخص المفقود أو عن أصدقائه كما يمكن تحويل هذه التقارير إلى الفريق العامل عن طريق ممثلي الأسر والحكومات والمنظمات الحكومية الدولية ويجوز لأقارب الشخص المختفي أو ممثليهم القانونيين أو محاميهم أو أي شخص مفوض من قبلهم أن يقدموا بصفة عاجلة طلبًا إلى اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري من أجل البحث عن شخص مختفي أو العثورعليه.
المسؤولية الدولية عن جرائم الاختفاء القسري
ينصرف مفهوم مبدأ المسؤولية الدولية إلى كل من الدولة وكذلك مسؤولية الرئيس عن فعل مرؤوسيه بالاختفاء القسري وأهمية تدريب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين من هذا الشأن وإلزام المسؤول بالتعويض.
بالنسبة لمسؤولية الدولة فإن تمسك الدولة بمبدأ السيادة المطلقة أو شبه المطلقة والتي تؤدي إلي استئثار حكومات الدول المعنية بتسوية النزاعات الداخلية بها وفقًا لهواها ممّا يؤدي إلي حدوث كوارث إنسانية أهمها أرتكاب تلك الجرائم البشعة في حق السكان المدنيين ولاسيما الاختفاء القسري للأشخاص المعارضين لها.
أمّا بالنسبة لمسؤولية الرئيس عن فعل الاختفاء القسري من جانب مرؤوسيه فلا شك أنّ هذا المبدأ يعد استثناءًا على المبدأ الوارد في قول الحق سبحانه وتعالى” وَلَا تَزِرُ وازرةٌ وِزرَ أخرى ” تفسير ذلك يكمن في أنّ هؤلاء الرؤساء كان بإمكانهم منع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومنها الاختفاء القسري إمّا لأن الأوامر التي أصدروها كانت غير مشروعة أو لأنهم تقاعسوا عن منع وقوع تلك الانتهاكات ومن ثم يكونون قد تغاضوا عن وقوع المحظورمما يقتضي وفقًا للمجرى المألوف والمنطقي والعادل للأمور، ويعد تقرير لجنة عام 1919 المقدم إلى مؤتمر السلام التمهيدي أول صك دولي يشير على نحو صريح إلى مفهوم المسؤلية الجنائية للرؤوساء الذين تقاعسوا عن إتخاذ التدابير.
ولم تغفل الصكوك الدولية على تأكيد ذلك إذا تنص الفقرة 19 أنّ من مبادئ المنع والتقصي لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة ويمكن اعتبار الرؤوساء وكبار الموظفين العموميين مسؤولين عن الأفعال التي يرتكبها من يعملون تحت رئاستهم إذا كانت قد أتيحت لهم فرصة معقولة لمنع حدوث هذه الأفعال.
وأكد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة إذا تنص الفقرة (3) من المادة (7) المعنونة المسؤولية الجنائية الفردية على أنّه لايعفي ارتكاب المرؤوس لأيّ فعل ويعد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة (المادة 3/7) أول صك دولي في إطار القانون الجنائي الدولي يقنن بموجب نص صريح مبدأ المسؤولية الجنائية للرئيس عن فعل مرؤوسيه.
إن إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام(1990) وكذلك الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري يشير إلى أنّ ارتكاب حالات الاختفاء القسري في الغالب الأعم من جانب موظفين الدولة الأمر الذي من شأنه أن يلقي الضوء علي طبيعة مهام هؤلاء الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين في سبيل حماية النظام العام وقد أدركت الجمعية العامة للأمم المتحدة مدى ضخامة المهمة التي يؤديها الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين بعناية وكرامة تمشيًا مع مبادئ حقوق الإنسان وكذلك حرصت الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لأهمية فرض التزامات الدول الأطراف بشأن ضرورة تدريب الموظفين سواء من العسكريين أو المدنيين المكلفين بتنفيذ هذه القوانين، حيث تعمل كل دولة طرف أنّ يشتمل التدريب المقدم للموظفين العسكريين أو المدنيين المكلفين بتنفيذ القوانين والموظفين في المجال الطبي وموظفي الخدمة المدنية وسواهم من الأشخاص الذين يمكن أن يتدخلوا في حراسة أو معاملة كل شخص محروم من حريته.
أمّا بالنسبة لتعويض ضحايا الاختفاء القسري لفترة ليست قصيرة من الزمن ظل اهتمام الأنظمة القانونية الرئيسية بصفة عامة على الجاني أما الضحية (المجني عليه) فلم تعير هذه الأنظمة الاكتراث الكافي لحقوقه ونظرت إليه بصفة أساسية كشاهد إثبات على ما أرتكبه الجاني من أفعال إجرامية ومع تزايد الاهتمام الدولي بحماية حقوق الإنسان سواء في أوقات النزاعات المسلحة بنوعيها ذات الطابع الدولي وغير الدولي أو في أوقات السلم بدأ الاهتمام يوجه إلي ضحاية الجريمة حيث أثمرت جهود المجتمع الدولي عن وضع العديد من المواثيق الدولية تشير إلي وضع الضحايا وحقهم في التعويض كما تشير أيضًا إلى معاناة ضحايا الجرائم وحاجة الأحياء منهم إلى إعادة تأهيلهم للاندماج كأشخاص فاعلين في أوطانهم ويقتضي تناول تعويض ضحايا الجرائم بصفة عامة وكذلك تعويض ضحايا الاختفاء القسري بصفة خاصة من خلال جانبين:
الجانب الأول: وهو تعويض الضحايا في إطار الصكوك الدولية.
أما الجانب الثاني: فهو التعويض في إطار الصكوك الدولية المعنية بحماية جميع الأشحاص من الاختفاء القسري.
وعليه فإنّ موضوع الاختفاء القسري للأفراد في إطار القانون الدولي الذي حرصت منظمة الأمم المتحدة علي مدى عدة عقود علي مواجهة تلك الظاهرة نظرًا لخطورتها وانتشارها في دول عديدة وعلى نحو مستمر في كثير من الأحيان للمعارضين أو الخصوم السياسين حيث ينطوي الاختفاء القسري علي انتهاك جسيم لمنظومة تكاد تكون متكاملة من حقوق الإنسان وتمثل الجريمة ضد حرية التنقل والكرامة الإنسانية.
لم يخلوا قانون الاجراءات الجنائية المصري و الدستور المصري من مواد للحد من الاختفاء القسري ولكن تكمن الأزمة في التطبيق فقد نصت المادة 54 من الدستور ” الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على احد او تفتيشه او حبسه او تقييد حريته بأي قيد ألا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق و يجب أن يبلغ فورًا كل من تقيد حريته بأسباب ذلك و يحاط بحقوقه كتابةً و يمكن من الأتصال بذويه و محاميه فورًا أو أنّ يقدم إلى سلطة التحقيق خلال 24 ساعة من وقت تقييد حريته “
وتنص المادة 36 من قانون الاجرائات الجنائية ” يجب على مأمور الضبط القضائي أن يسمع فورًا أقوال المتهم المضبوط، وإذا لم يأت بما يبرئه ويرسله في مدى 24 ساعة إلى النيابة العامة المختصة “
ليس الامر كذلك فحسب ولكن تضمن قانون الاجراءات الجنائية نصًا قانونيًا في غاية الأهمية يعطي الشخص المحبوس بالمخالفة لنص المادتين السابقتين لو تجاوزت مدة احتجازه لمدة ال 24 ساعة الواردة في القانون و الدستور – الخلاص من قبضة رجال السلطة، الا وهو نص المادة 43 من قانون الاجراءات الجنائية ” …ولكل من علم بوجود محبوس بصفة غير قانونية أو في محل غير مخصص للحبس أن يخطر أحد أعضاء النيابة العامة و عليه بمجرد علمه أن ينتقل فورًا إلى المحل الموجود به المحبوس وأن يقوم بإجراء التحقيق و أن يأمر بالإفراج عن المحبوس بصفة غير قانونية و عليه أن يحرر محضر بذلك “
تقنين الاختفاء القسري في القانون المصري
تنص المادة 40 من قانون مكافحة الإرهاب على أن ” لمأمور الضبط القضائى لدى قيام خطر من اخطار جريمة الارهاب ولضرورة تقتضيها مواجهة هذا الخطر، الحق فى جمع الاستدلالات عنها والبحث عن مرتكبيها والتحفظ عليهم لمدة لا تتجاوز اربع وعشرين ساعة ويحرر مأمور الضبط القضائى محضراً بالاجراءات ويعرض المتحفظ عليه صحبة المحضر على النيابة العامة او سلطة التحقيق المختصة بحسب الاحوال وللنيابة العامة او سلطة التحقيق لذات الضرورة المنصوص عليها فى الفقرة الاولى من هذه المادة وقبل انقضاء المدة المنصوص عليها فى الفقرة الاولى من هذه المادة أن تأمر باستمرار التحفظ لمدة اربعة عشر يوماً ولا تجدد الا مرة واحدة ويصدر الامر مسبباً من محام عام على الاقل او ما يعادلها….”
من المتعارف عليه فى القواعد العامة للقبض أن سلطة مأمور الضبط هو قيامه بالقبض على المتهم ويقوم بعرضه على النيابة المختصة لتقوم بدورها بالتحقيق معه لأن سلطة التحقيق ليست من سلطة مأمورى الضبط وإنما هى من سلطة النيابة العامة وتنتهى علاقة مأمورى الضبط بالمتهم فور عرضه على النيابة.
أما فى هذه المادة فقد أعطى المشرع سلطة لمأمورى الضبط فى التحفظ على المتهم لمدة تصل لـ 28 يوم قبل التحقيق معه من قبل النيابة العامة ووقوع المتهم فى قبضة مأمور الضبط وفى ظل ما يمارس من انتهاكات فى حق المتهم يكون المتهم عرضة لانتزاع اعترافات غير حقيقية منه وهذا الأمر الذي يخالف المادة 54 من الدستور والمادة 36 من قانون الإجراءات الجنائية، وبالتالي فإنّ هذه المادة تعتبر بمثابة تقنين لجريمة الاختفاء القسري.
الاختفاء القسري في اطار القانون الدولي العام ل (رعد عواد خلف النعيمي)
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
الاتفاقية الدولية لحماية جميع الاشخاص من الاخفاء القسري
تطور مركز الفرد في القانون الدولي “ مقال للدكتور عبد الله الاشعل”
الدستور المصري
قانون الاجراءات الجنائية المصري
كتاب الجرائم الدولية و سلطة العقاب عليها – الدكتور عبد الواحد الفار