ولأننا لا نحيا في المدينة الفاضلة؛ كان طبيعياً أن يتعرض الكثيرمن أطفال عالمنا اليوم إلى مظالم وانتهاكات لأبسط حقوقهم منذ اللحظات الأولى لولادتهم. فبكل أسف، هناك مئات الآلاف من الأطفال نشأوا في ظل ظروف معيشية قاسية تمخضت عن سوء الأوضاع الأقتصادية وانعدام العدالة الإجتماعية والتفكك الأسري، لم تتح لهم الفرصة لكي يتعلموا الصواب من الخطأ، إما لأنهم نشأوا فلم يجدوا الأسرة التي تلعب هذا الدور، أو لأنهم نشأوا فوجدوا ربها غير جدير بأن يكون رب أسرة، ليصبح الشارع هو ملاذ السواد الأعظم من هؤلاء الأطفال، فيتم استغلالهم استغلالاً اقتصادياً بصور مختلفة إما عن طريق؛ استخدامهم في التسول، أو دفعهم إلى سوق العمل وهم في السنوات الأولى من أعمارهم، فيكون نتيجة ذلك هو تعرضهم إلى شتى صنوف الإهانة.
لم تكن السطورالسابقة إلا غيض من فيض من الأسباب التي تشوه الوجدان الجمعي لمئات الآلاف من الأطفال، والكفيلة بأن تؤدي بهم إلى التورط في ارتكاب الجرائم، التي تهدد مصلحة الجماعة التي لم يكن أمامها إلا الدفاع عن مصلحتها أمام المهمشين من الأطفال الضالعين في ارتكاب الجرائم.
ولأن المسئولية الجنائية ترتبط بالسن، فتنعدم أو تنقص أو تكتمل تبعاً للمرحلة العمرية للشخص، قامت الجماعة بعدة محاولات بواسطة مُشرعيها – الذين تولوا مهمة صياغة التشريعات التي تتناسب مع أعمارهم- كمحاولة للحيلولة دون تفشي الجرائم.
ولا تعتبر هذه المحاولات وليدة اليوم، لأنها تضرب بجذورها في الماضي السحيق، لذلك سنحاول أن نسلط الضوء في هذا البحث على هذه المحاولات، فسنتناول التطورالتاريخي لأحكام المسئولية الجنائية للطفل، وصغر السن كمانع من موانع المسئولية الجنائية، وصغر السن كسبب للتخفيف من آثار المسئولية الجنائية، والعدالة التصالحية للأطفال.
مما لا شك فيه أن الاختيار والتمييز هما مناط المسئولية الجنائية، لذلك فإن السن يرتبط بالمسئولية الجنائية أرتباطاً وثيقاً، لأن تمييز الإنسان يتباين من مرحلة عمرية وأخرى، وربما يتأثرالإنسان أيضاً بعوامل عارضة، قد تفقده إياه، أو تجعله ناقص التمييز، وهذا لم يخفَ على المُشرع الجنائي الذي وضع هذه الحقائق نُصب عينيه، فلم يحمله آثار المسئولية الجنائية إلا عند نضوج ملكة التمييز لديه، بل وجعلها أيضاً مُتدرجة مع سن الإنسان من انعدام إلى نقصان إلى اكتمال.
اتخذت التشريعات الحديثة هذا المنحى، وخصت الأطفال بتشريعات تتناسب مع أعمارهم، يراعي في احكامها الموضوعية والإجرائية الجوانب الإجتماعية في معاملة الحدث، ولم تكن هذه التشريعات كما أشارنا آنفاً وليدة اليوم، بل هي نتيجة تطور تاريخي مرت به التشريعات الخاصة بالأطفال.
أقرت الشريعة الإسلامية مبدأ تدرج المسئولية الجنائية وفقاً لسن الإنسان، وفرقت بين الأطفال والبالغين من حيث المسئولية، وجعلت للأطفال نظاماً قانونياً خاصاً متعلق بالمسئولية الجنائية. ففي الشريعة الإسلامية تتدرج المسئولية الجنائية حسب نمو التمييز والإدراك، فتمييز الإنسان في الشريعة يمر بثلاث مراحل:
يتفق فقهاء الشريعة على أن هذه المرحلة تبدأ منذ ولادة الإنسان حتى سن السابعة، وفي هذه المرحلة لا يتحمل الطفل أي مسئولية جنائية، ولا توقع عليه أي عقوبة جنائية سواء أكانت هذه العقوبة حداً أو قصاصاً أو تعزيراً، ومع أن الإنسان عندما يكون في مرحلة انعدام التمييزلا يتحمل ثمة مسئولية جنائية، فإن هذا لا يمنع ولي الأمر من أتخاذ التدابيراللازمة الخاصة بالحماية الاجتماعية، ولا يعفيه أيضاً من تحمل المسئولية المدنية عن الأفعال الضارة التي يقترفها، وسببت ضرراً للغير.
وهذه المرحلة تبدأ من سن السابعة حتى سن البلوغ، الذي يقدره غالبية الفقهاء بخمسة عشر عاماً، في حين أن البعض الآخر من الفقهاء يقدره بثمانية عشر عاماً، وفي هذه المرحلة لا يتحمل الصبي المميز المسئولية الجنائية بما يترتب عليها من عقوبات جنائية كما يتحملها البالغون، وإنما يتحمل مسؤولية تأديبية، بما يتمخض عنها من عقوبات تأديبية يقررها ولي الأمرترمي إلى إصلاحه وتهذيبه، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الإلحاق بالمدارس ومؤسسات التدريب المهني والتوبيخ والإيداع في مؤسسات الرعاية الإجتماعية.
بمجرد أن يبلغ الإنسان سن البلوغ المقدر بخمسة عشر عاماً عند أغلبية الفقهاء، وثمانية عشر عاماً عند البعض الآخر من الفقهاء، كما سبقت الإشارة، يتحمل الإنسان المسئولية الجنائية في حالة أرتكابه أي جريمة، بما يترتب عليها من عقوبات جنائية سواء أكانت حداً أو قصاصاً أو تعزيراً.
وعلى هدى ما تقدم فإذا تدبرنا في أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالمسئولية الجنائية للطفل سالفة الذكر سيتضح لنا أنها تنطوي على قواعد قطعت التشريعات الحديثة شوطاً طويلاً حتى تصل إليها.
ترجع أولى المحاولات التشريعية لتنظيم المسئولية الجنائية للطفل في التشريع المصري إلى أوائل القرن التاسع عشر، وذلك حين صدر قانون عام 1826م الذي ميز الطفل الذي لم يبلغ الثانية عشر بأحكام خاصة. فالطفل الذي لم يبلغ الثانية عشر وفقاً لهذا القانون لا يتحمل ثمة مسئولية جنائية عن الجرائم التي اقترفها بما يترتب على ذلك من عقوبات جنائية، وإنما يستعاض عنها بعقوبات تأديبية.
وفي الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، صدر تنظيم متكامل مع قانون العقوبات، الذي خصص أحد أبوابه للمجرمين الأحداث، حيث أنه حدد المسئولية الجنائية وذلك من خلال تقسيم لعمر الحدث إلى ثلاثة مراحل:
حيث أن في هذه المرحلة التي تبدأ من الولادة حتى بلوغه السابعة، تنعدم المسئولية الجنائية للطفل.
وهذه المرحلة تبدأ من السابعة حتى بلوغه خمسة عشر عاماً، وفي هذه المرحلة يتحمل الطفل مسئولية مخففة، حيث أن العبرة بلحظة التمييز وقت ارتكاب الفعل، فإذا ثُبت لدى القاضي أن الطفل أرتكب الجريمة دون أي تمييز، ففي هذه الحالة لا يحكم عليه بأي عقوبة، وتسلم المحكمة الطفل إلى أهله أو لأي شخص يقبل أن يتكفل به حتى بلوغه سن العشرين، أما إذا ثبت أن الطفل أرتكب الفعل بتمييز ففي هذه الحالة يحكم على الطفل بالعقوبة العادية مع وجوب تخفيفها.
يعد بلوغ الشخص خمسة عشر عاماً وفقاً لقانون العقوبات الصادر في 1883م، هي مرحلة اكتمال التمييز، لذلك فبمجرد أن يبلغه يتحمل الشخص المسئولية الجنائية كاملة، وتوقع عليه العقوبات المترتبة عليها.
ومن الجدير بالذكر هنا أن قانون العقوبات المصري الصادر في 1883م في تقديره سن البلوغ بخمسة عشرعاماً قد تأثر بقانون العقوبات الفرنسي الذي صدر سنة 1810م والذي كان يقدر سن البلوغ بستة عشر عاماً.
وحين صدر قانون العقوبات سنة 1904م، عدل بعض أحكام المسئولية الجنائية للطفل، ففي ظل هذا القانون أصبح الطفل من سن السابعة إلى الخامسة عشر مسئولاً جنائياُ، ولم يعد يعتد بمعيار التفرقة الذي كان يأخذ به القانون رقم 1883م المتمثل في التمييز وقت ارتكاب الجريمة، فإذا ارتكب صبي مميز جريمة، يعاقب إما بالعقوبات العادية مع وجوب تخفيفها، أو بالعقوبات التأديبية، التي تتمثل في التسليم للوالدين أو للوصي شريطة التزامهم كتابة على العمل على تحسين سلوكه، أو التأديب الجسماني أو الإرسال إلى الإصلاحية.
وأضاف قانون 1904م مرحلة عمرية جديدة وهي التي تقع بين سن الخامسة عشر والسابعة عشر، حيث أنه في هذه المرحلة يحكم على الصبي بالعقوبات العادية المقررة في القانون، بإستثناء عقوبة الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة، وهذا إن كان يدل على شيئ فيدل على أن المُشرع رفع سن النضج إلى سبعة عشر عاماً.
ثم عدلت الأحكام الخاصة بمسئولية الطفل الجنائية، وذلك مع صدور قانون العقوبات سنة 1937م، حيث أنه قسم حياة الإنسان إلى خمس مراحل عمرية تتمثل في الآتي؛ من الميلاد إلى السابعة (مرحلة انعدام المسئولية الجنائية)، ومن السابعة إلى الثانية عشرة (لا توقع العقوبات العادية ويستعاض عنها بتدابير اصلاحية)، ومن الثانية عشرة إلى الخامسة عشرة (ويُخير القاضي بين الحكم بالعقوبات العادية مع تخفيفها وجوباُ أو الاكتفاء باتخاذ تدابير اصلاحية)، ومن الخامسة عشر إلى السابعة عشرة (فيها توقع العقوبات العادية فيما عدا الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة)، ووفقاً لهذا القانون يتم بلوغ الشخص حين يبلغ سبعة عشر عاماً، حيث أنه يتحمل المسئولية الجنائية كاملة.
ثم بعد ذلك جمعت القواعد الموضوعية والقواعد الإجرائية الموجودة في قانون العقوبات في قانون واحد عرف بقانون الأحداث رقم 31 لسنة 1974م، وفي هذا القانون رفع سن الرشد الجنائي إلى ثماني عشرة سنة ميلادية.
ولم يقف التطور عند هذا الحد، حيث أنه صدر بعد ذلك قانون الطفل الجديد رقم 12 لسنة1996م، الذي ألغي على أثر صدوره قانون الأحداث رقم 31 لسنة 1974م إلغاءاُ ضمنياُ، قبل أن يعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008م.
أخيراً ينبغي الإشارة إلى ان دستور 2014 نص في المادة 80 على الآتي: (يعد طفلا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره ، ولكل طفل الحق فى اسم وأوراق ثبوتية، وتطعيم إجبارى مجانى، ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية دعم الدولة للأطفال وتكفل الدولة حقوق الأطفال ذوى الإعاقة وتأهيلهم واندماجهم فى المجتمع وتلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسى والتجارى) ليضفي على الأحكام الخاصة بالطفل قيمة دستورية.
طبقاً للمادة 94/1 من قانون الطفل المُعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008م ( تمتنع المسئولية الجنائية على الطفل الذي لم يجاوز اثنتي عشرة سنة ميلادية وقت ارتكاب الجريمة) أي أن الطفل حتى سن الثانية عشرة ميلادية لا يتحمل المسئولية الجنائية.
ولكن على جانب آخر ربما يوجد الطفل في حالة تهدد سلامة التنشئة الواجب توافرها له، ففي هذه الحالة ينبغي أن يتم أتخاذ أحد تدابير الحماية الاجتماعية المُشار إليها في المادة 101 والتي تنص على الآتي: ( يحكم على الطفل الذي لم تجاوز سنه خمس عشرة سنة ميلادية كاملة، إذا ارتكب جريمة، بأحد التدابير الآتية: التوبيخ – التسليم – الإلحاق بالتدريب والتأهيل- الإلزام بواجبات معينة- الأختبار القضائي- العمل للمنفعة العامة بما لا يضر بصحة الطفل أو نفسيته، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون أنواع هذا العمل وضوابطها) ويتخذ التدبيرإزاء الطفل حسب سنه عند وجوده في إحدى الحالات التي من الممكن أن يتعرض فيها إلى خطر.
فعلى سبيل المثال: لو افتراضنا أن الطفل لم يكن يتجاوز السابعة بعد واقترف فعل يشكل جناية أو جنحة فينبغي في هذا الوقت إما أن يتم تسليمه أو إيداعه في إحدى المستشفيات المتخصصة، ولو أفتراضنا أن هناك طفل آخر قد تجاوز السابعة ولم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، وأقترف فعل يشكل جناية أو جنحة ففي هذه الحالة تحكم محكمة الطفل بأحد التدابير الآتية: التوبيخ – التسليم – الإيداع في أحد المستشفيات المتخصصة- الإيداع في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية)
طبقاً لقانون الطفل، المُعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008م، يعد صغر السن سبب من الأسباب المخففة للمسئولية الجنائية للطفل الذي يتراوح عمره بين الثانية عشرة و الثامنة عشرة.
بالرغم من أن الطفل الذي بلغ سن الثانية عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة مسئول جنائياً، إلا أنه ليس مسئولاً ككامل الأهلية وذلك لأن تميزه لم يكتمل بعد، لذلك راعى المشرع الجنائي هذا الأمر، وخفف من الآثار المترتبة على هذه المسؤولية، وذلك لأن الطفل البالغ من العمرأثنتى عشر عاماً برغم من دخوله مرحلة التميز لا تكون له القدرة على إدراك معنى التكليف الجنائي، وهذا ما حدسه المشرع الجنائي، الذي قرر عدم توقيع أي عقوبة من العقوبات العادية على الطفل ما دون الخامسة عشر.
وتمثل التخفيف الذي قرره المشرع الجنائي في أن الطفل الذي دون الخامسة عشر إذا أرتكب جريمة تشكل جنحة أو جناية لا يحكم عليه بعقوبة من العقوبات المقررة في قانون العقوبات كالشخص العادي كامل الأهلية، وإنما يحكم عليه بالعقوبات والتدابير المنصوص عليها في قانون الطفل، والمقررة في المادة 101 من قانون الطفل التي سبق أن أشرنا إليها، وذلك لأن أساس مسئولية الطفل دون الخامسة عشرة مسئولية جنائية مخففة.
خلاصة الأمر، إن إرادة المشرع واضحة في حظر توقيع العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات على الطفل ما دون الخامسة عشرة، بل أنه ألزم القاضي بأن يقوم بتوقيع إحدى التدابير التي وردت في المادة 101 على سبيل الحصر، بل أن القاضي لا يجوز له الجمع بين تدبيرين أو أكثر ولو كان الطفل قد ارتكب جريمتين أو أكثر وفقاً للمادة 109 من قانون الطفل التي تنص على الآتي (إذا ارتكب الطفل الذي لم تجاوز سنه خمسة عشرة سنة جريمتين أو أكثر وجب الحكم بتدبير مناسب، ويتبع ذلك إذا ظهر بعد الحكم بالتدبير أن الطفل ارتكب جريمة أخرى سابقة أو لاحقة على ذلك الحكم).
أخيراً ينبغي الإشارة أن القاضي يتعين عليه أن يختار التدبير الملائم من التدابير المنصوص عليها، وهذا لن يأتي إلا بالنظر إلى شخصية الطفل مرتكب الجريمة ومقتضيات إصلاحه وتأهيله، لا بالنظر إلى جسامة الجريمة المرتكبة، وذلك لأن التدبير يواجه خطور في شخصية الطفل يستهدف القضاء عليها، دون أن يستهدف تحقيق العدالة، ويستعين القاضي في مهمته هذه بنتائج الفحوصات والدراسات التي يخضع لها قبل إحالته إلى المحكمة.
في هذه الفترة العمرية على الرغم من أن الطفل قد بلغ وأصبح أهلاً لتحمل المسئولية الجنائية الكاملة من الناحية البيولوجية بالفعل، إلا أن المُشرع رأى أنه لا يمكن أن تطبق عليه العقوبات العادية، ويرجع ذلك إلى سببين؛ أولهما هو نقص خبرة الطفل بشئون الحياة، وثانيهما هو حداثة عهده بالجريمة فخطورته الإجرامية في بدايتها ولم تتأصل فيه بعد عوامل الإجرام، لذلك عمل المشرع على التوفيق بين هذين الإعتبارين، فأقر المُشرع من حيث المبدأ أهلية الطفل لتحمل العقوبة ولكن بعد تخفيفها، فضلاً عن ذلك فإنه أجاز في أحوال محددة الاستغناء عن العقوبة والاكتفاء بإنزال التدابير.
وعلى هذا فقد نصت المادة 111 من قانون الطفل على الآتي: (لا يحكم بالإعدام ولا بالسجن المؤبد ولا بالسجن المشدد على المتهم الذي لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة ميلادية وقت ارتكاب الجريمة ومع عدم الإخلال بحكم المادة 17 من قانون العقوبات، إذا ارتكب الطفل الذي تجاوزت سنه خمسة عشرة سنة جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد، أو السجن المشدد يحكم عليه بالسجن، وإذا كانت الجريمة عقوبتها السجن يحكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر. ويجوز للمحكمة بدلاً من الحكم بعقوبة الحبس أن تحكم عليه بالتدبير المنصوص عليه في البند 8 من المادة 101 من هذا القانون. أما إذا ارتكب الطفل الذي تجاوزت سنه خمسة عشرة سنة جنحة معاقباً عليها بالحبس جاز للمحكمة بدلاً من من الحكم بالعقوبة المقررة لها، أن تحكم بأحد التدابير المنصوص عليها في البنود 5 و6 و8 من المادة 101 من هذا القانون.)
من خلال ما سبق يتبين أن المشرع قد خفف من الآثار التي تنجم عن تحمل الطفل المسئولية الجنائية، وأجاز تنحية بعض العقوبات جانباً والاستعاضة عنها بالتدابير المنصوص عليها في المادة 101 من قانون الطفل.
يمكننا تعريف نظام العدالة التصالحية بأنه ( هو عبارة عن عملية تجمع بين الطفل في نزاع مع القانون مع والديه أو الأوصياء القانونيين عليه، والمجني عليه (بالغ أو طفل ) وأفراد مجتمعاتهم المحلية للرعاية من أجل مناقشة كيفية تضررهم وغيرهم من الجريمة وكيف يمكن جبر هذا الضرر وكيفية منع الطفل من معاودة الإجرام).
فالعدالة التصالحية هي بمثابة تحويل خارج الإجراءات القضائية أي (التوجيه المشروط للأطفال في نزاع مع القانون بعيداً عن الإجراءات القضائية الرسمية ليمكن الكثيرين بل ربما الأغلبية من التعامل مع الهيئات غير القضائية، وبالتالي تجنيب الأطفال الآثار السلبية للإجراءات القضائية الرسمية والسجل الجنائي بشرط أحترام حقوق الإنسان والضمانات القانونية الكاملة)
وتدعيماً لهذا النظام تؤكد الأتفاقات الدولية الخاصة بالطفل على وجوب الأحترام الكامل لحقوق الإنسان والضمانات القانونية عند تطبيق مناهج التحويل خارج الاجراءات القضائية والعدالة التصالحية في حالات الأطفال في نزاع مع القانون. ومن هذه الحقوق والضمانات؛ لا ينبغي أستخدام عملية العدالة التصالحية للأطفال إلا إذا توافرت أدلة كافية لتوجيه الاتهام إلى الطفل الجاني وبموافقة حرة وطواعية من كلاً من المجني عليه والجاني، ويحق للمجني عليه وللطفل الجاني في الحصول على ترجمة لأقوالهم إما كتابة أو شفاهة، كما ينبغي أن يتم إبلاغ المجني عليه والطفل الجاني وعلى نحو كامل بحقوقهما وطبيعة العملية التصالحية والعواقب المحتملة لقرارهما، وينبغي أيضاً عدم استخدام مشاركة الطفل الجاني في عملية العدالة التصالحية كدليل على الاعتراف بالذنب في الإجراءات القانونية اللاحقة.
من خلال ما سبق يمكن أن نجمل مكونات العدالة التصالحية في الآتي (المساءلة- المشاركة الفعالة – التركيزعلى العواقب- عادة الإدماج والتأهيل – الوقاية)
أخيراً ينبغي الإشارة إلى أن نظام (إجتماعات نظام العدالة التصالحية) بدأ في مصر بمشروع تجريبي في محافظة الإسكندرية منذ عهد قريب تحت إشراف يونيسف مصر- ومنظمة تير ديزوم، ومكتب النائب العام.
1- شرح قانون العقوبات، القسم العام، المسئولية والجزاء الجنائي، دكتور فتوح عبد الله الشاذلي.
2- التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي، الجزء الأول، الأستاذ عبد القادرعودة.
3- نظرية التجريم في القانون الجنائي، الدكتور رمسيس بهنام
4- دستور مصر الصادر في عام 2014م
5- القانون رقم 12 لسنة 1996م باصدار قانون الطفل، والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008م
6- اتفاقية حقوق الطفل سبتمبر 1990م
7- الدليل الإرشادي للمتخصصين المعنيين بالتحويل خارج الإجراءات القضائية مع الأخذ بنهج العدالة التصالحية (اجتماعات عملية العدالة التصالحية) على مستوى نيابات مصر، اعداد انجريد فان ويلزينيس- رنا يونس