تعد جريمة الاغتصاب هي أبشع الجرائم التي من الممكن أن تتعرض لها المرأة، ويتجلى ذلك بمجرد ما نتعرض إلى المدلولين اللغوي والإصطلاحي لكلمة اغتصاب، فالاغتصاب لغة يعني الغصب وهو أخذ الشئ عنوة بالإكراه، اغتصاب مال الناس يعني أخذه قهراً وظلماً، غصب الجلد يعني أزال عنه شعره ووبر نتفاً وقشراً الاغتصاب يعني فرض المعاشرة الجنسية بالقوة على فتاة أو امرأة، غصب فتاة يعني زنى بها رغماً عنها، وفي الحديث غصبها نفسها أراد أنه واقعها كرهاً فاستعارة للجماع، وهذا المعنى شاع استعماله حتى صار الإكراه على الإجماع يسمى اغتصاباً.
بينما يعرف الاغتصاب إصطلاحاً بأنه ممارسة الجنس مع شخص دون رضاه بواسطة القوة والترهيب، كما يعرف الاغتصاب ايضاً باتصال الرجل بامرأة اتصالاً جنسياً كاملاً دون رضاها.
ولما كانت جريمة الاغتصاب من أشد الجرائم التي تقع على المرأة فكان طبيعياً أن تجتمع جميع التشريعات منذ قديم الأزل على تجريمها وأن يقترن تجريمها بعقوبات رادعة تقع على من تسول له نفسه بأن يرتكبها، برغم بدائية بعض العقوبات في بعض التشريعات القديمة.
جرم المُشرع المصري الفرعوني اغتصاب الإناث وهو الأتصال الجنسي بالمرأة رغماً عن إرادتها، وكانت عقوبة هذه الجريمة هي خصاء الجاني ( قطع أعضاءه التناسلية).
وأشار الباحث الأثري رضا عبد الرحيم أن ” ديودور الصقلي ” – الذي زار مصر عام 59 ق. م – يؤكد أن المصري القديم كان يميز بين فعل الزنا وهتك العرض أو الاغتصاب، إذ يقرر أن الزنا لو تم بالغصب أو بالعنف كان الجزاء يتمثل في قطع الأجهزة ” العضو التناسلي ” أما لو تم بدون عنف فإن الرجل الزاني كان يُجلد ألف جلدة والمرة الزانية كانت تقطع أنفها، فكانت جرائم الاغتصاب والزنا وقتها تصل إلى الإعدام.
وقال إن هذه الأحكام تستند إلى نقوش آني، وبردية بولاق، وبردية لبيد حيث أن الزناة كانوا يكفرون عن خطاياهم بالإعدام، وأن الشروع في الزنا أو التحرش كان يواجه نفس العقوبة ولو لم يرتكب فعلاً الذنب الآثم، وهذا ما أكده ذلك العالم الفرنسي ” كابار ” وهو أحد المتخصصين البارزين في دراسة القانون الجنائي المصري القديم، حين ذكر أن الإعدام في حالة الزنا كان يتم حرقاً مما يؤكد على رغبة المجتمع المصري القديم في الحفاظ على جنسيتهم وسلالتهم.
جرى العرف عند العرب ما قبل الإسلام، بأن تأسر القبيلة المنتصرة ما تقدر على أسره من نساء القبيلة المهزومة، وبخاصة الشرائف منهن، ولم يكن ثمة ما يحول دون الأسر ووقاع المرأة التي سباها ولو رغماً عن إرادتها، سواء كانت فتاة بكراً أو امرأة متزوجة، والجزاء على اغتصاب النساء الذي يحدث عقب الحروب هو المعاملة بالمثل، فقد كانت القبيلة التي يسبى بعض نسائها لا تدخر وسعاً غي إستنقاذ نسائها، وسبي ما تقوى على سبيه من نساء أعدائها، فاغتصاب بعض نساء إحدى القبائل كان يعقبه – ولو بعد حين – اغتصاب بعض نساء المُغتصبين.
لم يقتصر الأمر عند العرب ما قبل الإسلام على حوادث الاغتصاب التي كانت تقع في أعقاب الحروب القبلية، فقد تناهى إلى مسامعنا أخبار حوادث اغتصاب فردية، ارتكبها أشخاص غرباء عن قبلية المرأة في أحيان، وأشخاص من نفس القبلية في أحيان أخرى.
ومن هذه الحوادث، فقد روى مثلاً أن ” السليك بن السلكة ” لقى رجلاً من خثعم يثال له ” مالك بن عمير ” معه امرأة له من خفاجة يقال لها ” النوار ” فقال له الخثعمي أنا أفدى نفسي منك، فرجع إلى قومه وخلف امرأته رهينة معه فنكحها السليق، وبلغ ذلك ” شبيل بن قلادة ” و” أنس بن مدرك ” الخثمعيين، فخالفا إلى السليك على غفلة فشد عليه أنس فقتله وقتل شبيل وأصحابه من كان معه.
ومن صور الجزاءات التي عرفها العرب ما قبل الإسلام هي المعاملة بالمثل، إذا أستطاع ولي المرأة إلى ذلك سبيلاً، فقد روُى مثلاً أن قبيلة إياد كثرت فضاقت بها أرضها، فخرجوا إلى الأرياف حتى نزلت بين الحيرة والبحرين على عهد بني أسد، وأن فارسياً وثب على امرأة منهم فنكحها، فوثب أخوها فنكح أخت الفارسي.
ولم يكن العقاب على الاغتصاب بالقتل أو بالمعاملة بالمثل بالشئ الغريب، إذا ما نظرنا إلى ما كرسته إحدى الشرائع السامية وهي شريعة الآشوريين الذي نزح أصحابها من الجزيرة العربية إلى شمال العراق.
ففي المادة 12 من اللوحة الأولى نقرأ ما يلي : ( إذا كان رجل أثناء سير زوجة رجل آخر، قد أمسك بها قائلاً لها: دعيني أضاجعك، فطالما أنها لم توافق وظلت تدافع عن نفسها، لكنه أخذها بالقوة وضاجعها، فسواء وجدوه على زوجة الرجل أم اتهمه شهود أنه ضاجع المرأة، فسوف يقتلون الرجل، دون أن يلحق المرة لوم ).
وفي المادة 55 من نفس اللوحة نطالع ما يلي : ( إذا أخذ رجل فتاة بكراً واغتصبها، سواء وسط المدينة أو في العراء، نهاراً أم ليلاً، في الطريق أم في مخزن، أم أثناء أحد المهرجانات فسوف يأخذ أبو البكر زوجة المغتصب ويسلمها لتغتصب وسوف لا يعيدها إلى زوجها).
فالاغتصاب حينذاك لم يكن ينظر إليه باعتباره جريمة ماسة بالمرأة التي تكون ضحية له بقدر ما كان ينظر إليه بوصفه منطوياً على إستهانة شديدة بزوج المرأة أو وليها، ولم تكن ثمة وسيلة لدفع هذا العار غير قتل الجاني، أو معاملته بالمثل.
كما كان في العالم الشرقي القديم من الممكن أن تأتي المبادرة من المرأة المهددة بالاغتصاب إلى قتل المغتصب، فقد روُى أن رجلاً من العرب نزل بأمرأة باهلة وليس عندها زوجها فأكرمته وفرشته فلما لم يرَ عندها أحداً سامها نفسها، فلما خشيته قالت: امكث استصلح لك، ثم راحت فأخذت مدية فأخفتها، ثم أقبلت إليه فلما رأها ثار إليها فضربت بها نحره فلما رأت الدم سقطت مغشياً عليها، وسقط هو ميتاً فأتاها آت من أهلها فوجدها على تلك الحال فأجلسها حتى أفاقت، فلم تكن حينها – بديهياً – المرأة التي تكون ضحية للاغتصاب تتعرض لأي عقاب، في حالة وجود دليل على أنها كانت مغلوبة على أمرها.
أعتبر اليونانيون الاغتصاب جريمة في أساطيرهم، فكانت البداية في ظهور الاغتصاب من الأرباب للبشر مثل اغتصاب ايروبا بواسطة زيوس وأصبح الاغتصاب في فكر اليونانيين جريمة عندما اغتصبت كريسبوبوس بواسطة لايوس والذي عُرف باسم ” جريمة لايوس “.
وقد فرض القانون اليوناني القديم على المغتصب غرامة مالية ” أي مغتصب يتعرض لرجل أو امرأة حرة عليه أن يدفع غرامة مالية قدرها مائة ستاتير (عملة اليونان قديماً) أما إذا كان الفعل بالكلام فقط فعليه أن يدفع عشرة ستاتير أما إذا قام بتلك الفعلة ( الاغتصاب 9 فعليه دفع الضعف في كلا الحالتين ( الاغتصاب قولاً أو فعلاً )، وإذا قام شخص حر باغتصاب عبد أو أمة عليه غرامة مالية قدرها خمس دراخمات أما إذا كان بين العبد العبيد فعليه دفع خمس ستاتير بل أن الشخص إذا ما اغتصب خادمته بالمنزل لفظاً أو فعلاً فعليه دفع اثنين من الستاتير ” وكل هذا في عدم وجود شهود بل يكتفي بإدلاء المغتصب للفعل.
كما اعتبر اليوناني القديم الإغواء جريمة أكبر من الاغتصاب لأنها مقدمة للتحرش والاغتصاب وضاعف العقاب في الإغواء ليصل لحد تحويل فاعل هذه الجريمة لمرتبة العبودية وتزخر الأسطورة الإغريقية بالعديد من القصص التي تروى عملية الاغتصاب الجسدي سواء بين الأرباب أو بين الأرباب والبشر ويتبين من خلال تلك القصص أن من يحاول أرتكاب تلك الفعلة ينتهي أمره بالعقاب الرادع الذي يصل إلى حد الموت.
استباحة الجسد
ويتضح مفهوم الاغتصاب المصور على الفخار الإغريقي الأحمر وما يقوم به مرتكب عملية الاغتصاب عن طريق تتبع مراحل استباحة جسد الآخرين في عملية جنسية لا ترضى عنها الضحية المغتصبة.
الاغتصاب النفسي
وهو أخذ بالقوة لشئ ضد الرغبة، وصور هذا على آنية فخارية من نوع هيدرا محفوظة بالمتحف البريطاني عملية خطف لابنتا ليوكيبيديس اللتان تحملان بالقوة أمام زوجيهما من قبل ديوسكوروي في حضر المعبودة أفروديت الجالسة على المذبح ومن أمامها تقف بيثو التي تلعب دور الإغراء للفتاتين.
تنص المادة 267 من قانون العقوبات المصري على أن ( من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب بالإعدام أو السجن أو المؤبد. ويعاقب الفاعل بالإعدام إذا كانت المجنى عليها لم يبلغ سنها ثمانى عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان الفاعل من أصول المجنى عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادماً بالأجر عندها أو عند من تقدم ذكرهم أو تعدد الفاعلون للجريمة. )
وتنص المادة 268 أيضاً من قانون العقوبات المصري على أن ( كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو التهديد أو شرع في ذلك يعاقب بالسجن المشدد وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ثمانى عشرة سنة ميلادية كاملة، أو كان مرتكبها كما نصت عليهم الفقرة الثانية من المادة 267 تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات، وإذا اجتمع هذان الظرفان معا يحكم بالسجن المؤبد.)
كما تنص 269 من ذات القانون على أن ( كل من هتك عِرض صبى أو صبية لم يبلغ سن كل منهما ثمانى عشرة سنة ميلادية كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالسجن وإذا كانت سنه لم تجاوز اثنتى عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان مَن وقعت منه الجريمة ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267 تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات.)
وهدياً على ما تقدم يتبين أن تعريف جريمة الاغتصاب في القانون المصري بأنه مواقعة أنثى بغير رضاء حر منها ويعرّف قانون العقوبات المصري المواقعة بأنها الاتصال الجنسي الطبيعي التام بين الرجل والمرأة، فلا تعد أية أفعال غير ذلك (مثل: المساس بالعضو التناسلي للمرأة، أو وضع شيء آخر فيه، أو إزالة بكارتها بإصبعه) من قبيل المواقعة، بل تعد هتك عرض أو شروع في اغتصاب، حسب القصد الجنائي للمتهم.
وأن الجريمة هي الواقعة المنطبقة على أحد نصوص التجريم إذا أحدثها إنسان أهلًا للمسؤولية الجنائية, وقد تم تعريف جريمة اغتصاب الإناث بتعريفات عدة, وإن اتفقت جميعاً في مضمونها, إلا أنها اختلفت في أسلوبها وألفاظها المستعملة, ومن هذه التعريفات:
1- اتصال الرجل جنسياً بالمرأة كرهًا عنها.
2- اتصال رجل بامرأة اتصالاً جنسياً كاملاً دون رضاء صحيح منها بذلك
3- مواقعة أنثى بغير رضاها.
4- مواقعة أنثى حية مواقعة تامة دون رضاها وباستعمال القوة مع احتمال حمل كنتيجة لها.
5- من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب بالإعدام او بالسجن المؤبد فاذا كان الفاعل من أصول المجنى عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادماً بالأجرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالإعدام.
واشتملت التعريفات السابقة على اركان جريمة أغتصاب الإناث ويعتبر ركن الاكراه من ابرز اركان الجريمة وهو ما عبر عنه التعريف الاول سواء كان هذا الاكراه مادياً او معنوياً وتتفق هذه التعريفات على جريمة اغتصاب الإناث لا تتحقق إلا بإتصال الرجل بالمرأة اتصالاً جنسياً ومعاشرة المرأة وذلك بسلو إيجابي من جانب الرجل ولابد لقيام جريمة الاغتصاب الإناث من أن يتم ذلك الاتصال بدون رضاء صحيح من المرأة ورغماً عنها.
مما سبق يتبين أيضاً أن جريمة الاغتصاب في القانون المصري يُفترَض توافر ركنين فيها لتمام هذه الجريمة؛ هما: مواقعة الأنثى بغير رضاها، والقصد الجنائي.
الركن المادي: مواقعة الأنثى بغير رضاها.
يتحلل هذا الركن إلى عنصرين؛ هما: المواقعة، وعدم الرضا.
المواقعة:
ويعرّف قانون العقوبات المصري المواقعة بأنها الاتصال الجنسي الطبيعي التام بين الرجل والمرأة، فلا تعد أية أفعال غير ذلك (مثل: المساس بالعضو التناسلي بالمرأة، أو وضع شيء آخر فيه، أو إزالة بكارتها (بإصبعه) من قبيل المواقعة، بل تعد هتك عرض أو شروع في اغتصاب، حسب القصد الجنائي للمتهم، ولا يهم ما إذا كان الفاعل قد حقق النشوة الجنسية، بقذف مواده المنوية، أو لم يتمكن من ذلك؛ لأن العبرة تكون بوقوع الاتصال الجنسي من عدمه، ويشترط في المواقعة أن تتم بالصورة الطبيعية؛ لذلك لو قام الجاني بإتيان الأنثى من الخلف، فلا يكون مرتكباً لجريمة اغتصاب، بل لجريمة هتك العرض، كما يشترط في المواقعة ألا تكون مشروعة، فلا تعد اغتصاباً المواقعة التي تتم بين زوج وزوجته دون رضاها؛ لأن الزوجة تعد حلاً له بناءً على عقد الزواج ولكن لو أتاها من الخلف دون رضاها، فإن ذلك يعد جريمة «هتك عرض بالقوة»؛ لأن عقد الزواج لا يسمح للزوج سوى بالاتصال الجنسي الطبيعي، علاوة على أنه يعد من قبيل الاغتصاب أن يواقع الزوج زوجته بالإكراه إذا كان مريضاً بإحدى الأمراض الجنسية المعدية؛ لأنه لا تجوز له المعاشرة الزوجية في هذه الحالة، بالإضافة إلى ذلك، اشترط القانون شروطاً يجب أن تتوافر في الجاني والمجني عليها حتى يمكن القول بوقوع جناية الاغتصاب، هذه الشروط هي:
شروط الجاني:
1- أن يكون رجلاً: لأنه يُفترَض في جريمة الاغتصاب أنها تتم بين رجل وامرأة، وإن كان من الممكن أن تكون المرأة شريكة للجاني؛ كأن تحرّضه أو تتفق معه أو تساعده على مواقعة امرأة دون رضاها.
2- أن يكون قادراً على الاتصال الجنسي: فلو كان الجاني صغير السن جداً أو كان مريضاً، فلا تقع جريمة الاغتصاب ولا الشروع فيها.
شروط المجني عليها:
1- أن تكون امرأة: فلا تعد اغتصاباً المواقعة التي تتم بين رجلين، وإنما تعد جريمة «هتك عرض بالقوة». وإذا وقعت المواقعة على طفلة صغيرة، فإن المواقعة لا تعد اغتصاباً إلا إذا قرر الطبيب الشرعي أنه من الممكن أن يحدث الإيلاج في عضوها التناسلي.
2- أن تكون على قيد الحياة: فلا تعد من قبيل الاغتصاب، المواقعة التي تتم على جثة امرأة متوفية، بل تعد جريمة ” انتهاك حرمة القبور.”
2- لا يهم كونها شريفة أم ساقطة: لأن الجريمة تقع بالاعتداء على الحرية الجنسية للمرأة لا على شرفها، وإن كان من الممكن أن يعد سلوك المجني عليها قرينة على رضائها بحدوث المواقعة.
عدم الرضاء:
لابد من وقوع المواقعة دون رضاء المرأة حتى تتم جريمة الاغتصاب، ويكون عدم الرضاء إما باللجوء إلى الإكراه معها، أو بالغش والخداع، أو بانتهاز فرصة فقد المجني عليها لشعورها.
بالنسبة للإكراه، فهو يمكن أن يكون مادياً أو أدبياً (معنوياً). يكون الإكراه المادي بإرتكاب فعل من أفعال القوة أو العنف على المرأة، فيفقدها إرادتها، دون أن يُشترَط في هذا الفعل أن يترك أثراً في جسدها أو أن يكون جسيماً لدرجة معينة؛ لأن العبرة في الإكراه تكون بالقدر الكافي لشلّ مقاومة المرأة. أما الإكراه الأدبي، فهو يتم بمجرد التهديد بإلحاق الأذى بجسم المجني عليها أو بمالها أو بسمعتها أو بشخص عزيز عليها، أو بغير ذلك طالما كان من شأنه أن يُخضِع إرادتها لرغبة الجاني. ولقاض الموضوع السلطة التقديرية في تحديد ما إذا كان الإكراه، في الحالة المعروضة أمامه، معقولاً لحدوث الاغتصاب أم لا.
وبالنسبة للغش والخداع، فيحدث الاغتصاب إذا واقع الطبيب المرأة، أثناء معالجته لها، إذا كانت قد استسلمت له نتيجة لظنها أنه يعالجها بوسائل الطب والجراحة. كما يحدث الاغتصاب أيضاً إذا دخل الجاني إلى سرير المجني عليها بصورة ظنت معها أنه زوجها، أو إذا ادعى كتابي (مسيحي أو يهودي) أنه مسلم كي يتزوج مسلمة، وتزوجها فعلاً دون أن تعلم بدينه الحقيقي.
أما بالنسبة لانتهاز فرصة فقد المجني عليها لشعورها، فإن ذلك يحدث بسبب الإغماء أو خضوعها للتنويم المغنطيسي أو عدم شعور ناتج عن مرض السكر أو الجنون وغيره مما يعدم الإرادة.
الركن المعنوي: القصد الجنائي
كي تقع جريمة الاغتصاب، لابد أن تتجه إرادة الجاني إلى مواقعة المجني عليها دون رضاها، مع علمه بذلك؛ لأن جريمة الاغتصاب من الجرائم العمدية التي يجب لقيامها أن يتوافر القصد الجنائي فيها. ويتوافر القصد الجنائي حتى مع حُسن الدافع؛ فمثلاً: لا يصح أن يطلق الجاني زوجته طلاقاً بائناً دون علمها، ثم يواقعها بذريعة الحفاظ على الأسرة من التفكك. ولكن يُنتفى القصد الجنائي إذا كان الجاني يجهل أن المرأة التي واقعها مجنونة أو فاقدة للشعور، أو إذا اعتقد أنها قبلت مواقعته لها وأن مقاومتها له لم تكن جدية.
يجرم كل اتصال جنسي يقع بين الرجل والمرأة خارج إطار الزواج، فإذا توافرت شروط الزنى أو الاغتصاب فإنه يوجب الحد، ولا عبرة برضاء الرجل أو المرأة على ذلك الفعل واتفاقهما على ذلك لا يعفيهما من العقاب.
كما يذهب الرأي الراجح في الفقه الإسلامي إلى أن الوطء المحرم يتحقق بإيلاج الرجل ذكره في الموضع الطبيعي للمرأة وهو الفرج وغير الطبيعي وهو الدبر، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف، ومحمد من الحنفية، والشيعة الزيدية والإمامية والإباضية.
في إطار الجرائم ضد الإنسانية، فإنه يلزم أن يرتكب الاغتصاب في إطار سياسة اضطهاد عامة ضد جماعة السكان المدنيين، ويلزم التنويه إلى أن عدم توافر هذا الشرط لا يعني إفلات الجاني من العقاب، بل إنه والحالة هذه تدخل الأفعال التي يرتكبها في منظومة جرائم الحرب متى تمت بصورة فردية.
وبموجب اتفاقية حظر إبادة الجنس البشري يندرج الاغتصاب في إطار المادة الثانية من الاتفاقية بشرط أن يجري ارتكاب السلوك المحظور في إطار نية تستهدف بصورة كاملة أو جزئية تدمير جماعة وطنية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، ويعني الاغتصاب، إيلاج العضو الذكري أو أي عضو آخر أو جسم غريب في مكان عفة المرأة “المهبل” عنوة، حيث إن الاغتصاب لا يقع إلا على المرأة، فالمرأة هي التي تتعرض للاغتصاب في مختلف الأوقات سواء أكانت هناك حالة استقرار ام نزاع اياً كان نوعه داخلياً ام دولياً، وقد برزت الخطورة الكبيرة لهذه الجريمة بعد أن تم استخدامها في النزاع المسلح في يوغسلافيا السابقة كوسيلة للتطهير العرقي.
فالاغتصاب يعني في القانون الدولي الإنساني إيلاج العضو الذكري أو أي عضو آخر أو جسم غريب في مكان عفة المرأة “المهبل” عنوة, أما باقي صور الإعتداء الجنسي فتشمل أي سلوك عدواني على الأعضاء التناسلية بصفة عامة مثل فتحة الشرج أو الثديين, ومن ثم فان صور الاعتداء الجنسي الأخرى تقع على المرأة والرجل والطفل, في حين ان الاغتصاب لا يقع إلا على المرأة.
طالما ما تعرضت المرأة للاغتصاب في الحروب سواء أكانت حرباً دولية أم داخلية، فهن يتعرضن للاغتصاب من قبل رجال كلا الجانبين سواء أكانوا من القوة المعادية أم الصديقة، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها ما تعرضت له نساء (رواندا) اللاتي وقعن ضحايا لحرب أهلية شديدة ونساء (كشمير) اللاتي عانين من الاغتصاب والموت في ظل إدارة الجيش الهندي.
وعندما أصبح الاغتصاب ممارسة مقبولة في أوقات الحروب ابتداءً سعت الدول إلى تجريمها لما يشكله من خطورة، ففي إتفاقية لاهاي الخاصة بقوانين وأعرف الحرب رغم عدم ذكرها للاغتصاب أو جرائم العنف الجنسي الأخرى صراحة لكن ذلك لا يعني أنها قد أباحته، فقد عالجت المادة (46) من إتفاقية (لاهاي) الرابعة لعام 1907م الأمور المتعلقة بوجوب احترام جميع الأطراف المتعاقدة لشرف الأسرة وحياة أفرادها وعقائدهم الدينية، كما نص في ديباجتها على ضرورة الالتزام بمبادئ وقوانين الإنسانية وما يمليه الضمير العام.
أما بخصوص اتفاقيات جينيف لعام 1949م، فإذا كانت هي الأخرى لم تذكر الاغتصاب صراحة كأحد الإنتهاكات الجسيمة لكن نجد أن هناك أساس متين لإعتبار الاغتصاب انتهاكاً جسيماً يدخل ضمن الفقرات الثلاث المتعلقة بالتعذيب والأضرار الخطيرة بالسلامة البدنية أو الصحية أو المعاملة اللاإنسانية، وكان لذلك الدور الكبير في محاكمات كلاً من يوغسلافيا السابقة ورواندا.
فضلاً عن ذلك نجد أن إتفاقية جينيف الرابعة قد تضمنت حماية خاصة للمرأة إذ أنها حظرت الاغتصاب والإكراه على الدعارة والإكراه على الدعارة وأي هتك لحرمة المرأة، كما تم حظر العنف المرتكب ضد المرأة ومطالبة معاملتها بما يلائم طبيعة جنسها وهذا ما يتضح من خلال نص المواد (12) من اتفاقيتي جينيف الأولى والثانية والمادة (14) من الإتفاقية الثالثة التي تضمنت حماية خاصة للمرأة وخصوصاً عندما تقع المرأة أسيرة في قبضة الأعداء.
هذا وقد أشار البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جينيف في نص كل من المادتين (75) و (76) منذ حماية صريحة للمرأة ضد الاغتصاب والإكراه على الدعارة والبغاء القسري أو أية صورة من صور الإنتهاكات للكرامة الشخصية اما فيما يتعلق بالبروتوكول الإضافي الثاني، فقد أشار إلى حظر صريح للاغتصاب والإكراه على الدعارة (البغاء) وكل ما من شأنه خدش الحياء وانتهاك الكرامة الشخصية.
لقد تعرضت المرأة لجريمة الاغتصاب خلال الحرب العالمية الأولى وتكرر الأمر خلال الحرب العالمية الثانية، لكن على الرغم من ذلك لم يذكر ميثاق محكمة نورمبرغ جريمة الاغتصاب صراحة.
أما محكمة طوكيو فقد كان توجهها حيال جرائم الاغتصاب أوضح من محكمة نورمبرغ والدليل على ذلك ما جاء في محاكمات عن الفظائع التي ارتكبت بما يسمى بمذبحة (nanking) في الصين، والتي تضمنت العديد من حالات الاغتصاب التي كانت تنتهي عادة بقتل الضحايا، فقد اغتصبت وقتلت حوالي (20) ألف امرأة وقد أدين الجناة على مثل هذه الجرائم.
أما بالنسبة لجريمة الاغتصاب في ظل المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة فقد أستخدم كوسيلة للتطهير العرقي كما سبق ذكره، وعليه دارت أغلب القضايا، وقد جاءت الإشارة إلى جريمة الاغتصاب بوصفها جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة (5) من نظام المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا وهي الإشارة الوحيدة علة هذه الجريمة وكان النظر في مثل هذه الجريمة يتوقف على وجود النزاع المسلح سواء أكان دولياً أم داخلياً.
ولعل من أبرز ما جاءت به المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا في مجال جرائم العنف الجنسي ما جاء من خلال ذكرها لأركان جريمة الاغتصاب في حكمها في قضية (Furunndzijia) عام 1998م والتي ذكر فيها أركان جريمة الاغتصاب.
وهذا الحكم كان له الدور الكبير في تحديد أركان جريمة الاغتصاب في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أما في نظام محكمة رواندا فقد ورد ذكر الاغتصاب بعده من الجرائم ضد الإنسانية، ولقد كان لهذه المحكمة حكم مهم فيما يتعلق بجريمة الاغتصاب في قضية (Akayesu)، ففي إثناء أعمال الإبادة الجماعية التي حصلت في رواندا عام 1994م كان (جان بول اكاسيو) رئيساً لبلدرية (Taba)، وهذه المدينة شهدت اغتصاب الآلاف من قبائل (التوتسي) وتعذيبهم وقتلهم على نحو منهجي، وقد تم محاكمة (أكاسيو) على عدة تهم أضاف لها المدعي العام تهم تتعلق بالجرائم ضد الإنسانية اتخذت شكل الاغتصاب وإعمالاً لا إنسانية.
وما ان شكلت المحكمة الجنائية الدولية حتى أشار نظامها الأساسي في الفقرة (1/ ز) من المادة (7) على ستة أصناف من جرائم العنف الجنسي وهي الاغتصاب والاستعباد الجنسي والإكراه على البغاء والجمل القسري والتعقيم القسري وأي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي التي لا تقل عن غيرها في الخطورة، وبينت اللجنة التحضيرية لهذه المحكمة الأركان الخاصة بهذه الجريمة .
توجد أوجه اتفاق وأوجه اختلاف بين ما جاء في الفقه الاسلامي والقانون الوضعي والقانون الدولي الانساني:
1- أوجه الاتفاق:
أ- يتفق القانون الدولي الإنساني مع القانون الوضعي والفقه الإسلامي, في أنه يكفي لقيام الركن المادي لجريمة اغتصاب الإناث تغييب حشفة الذكر أو قدرها عند مقطوعها في المكان المعد لذلك ولا يشترط تحقق الشهوة للرجل الجاني المغتصب, سواء في ذلك, أنزل أم لم ينزل.
ب- يشترط في القانون الدولي الإنساني, وقانون العقوبات المصري, ورأي بعض الفقهاء في الفقه الإسلامي أن تكون المرأة المجني عليها في جريمة الاغتصاب على قيد الحياة, أما إذا وقع الفعل على مرأة متوفاة فلا تتحقق الجريمة , لأن المرأة الميتة ليس لها إرادة يعتد بها.
ت- حيث أن يشترط لتحقق الجريمة أن يكون الإيلاج في فرج آدمي حي, إلا أن بعض الفقهاء المسلمين قالوا بوجوب الحد في وطء الميتة لأنه يشبه وطء الحية.
2- أوجه الاختلاف:
ونتناول ذلك في الفقه الإسلامي ثم في القانون الوضعي، وأخيراً في القانون الدولي الإنساني:
أ – في الفقه الإسلامي:
يجرم كل اتصال جنسي يقع بين الرجل والمرأة خارج إطار الزواج، فإذا توافرت شروط الزنى أو الاغتصاب فإنه يوجب الحد، ولا عبرة برضاء الرجل أو المرأة على ذلك الفعل واتفاقهما على ذلك لا يعفيهما من العقاب.
أما في القانون الوضعي، والقانون الدولي الإنساني، فالهدف هو حماية الحرية الجنسية للأفراد من الإكراه وذلك بمنع الاعتداء على شرف وعرض المرأة.
يذهب الرأي الراجح في الفقه الإسلامي:
إلى أن الوطء المحرم يتحقق بإيلاج الرجل ذكره في الموضع الطبيعي للمرأة وهو الفرج وغير الطبيعي وهو الدبر، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف، ومحمد من الحنفية، والشيعة الزيدية والإمامية والإباضية.
ب – في القانون الوضعي:
فانه لا يتحقق الركن المادي لجريمة الاغتصاب، إلا بالوطء في الموضع الطبيعي للمرأة وهو القُبل، أما الإتيان من الخلف أو الدبر فيعتبر جريمة هتك عرض، لا تقوم به جريمة الاغتصاب.
وهو بذلك يوافق ما قال به الإمام أبو حنيفة والإمام ابن حزم الظاهري، لأن الوطء الموجب للحد عندهما هو الوطء في القبل، أم الوطء في الدبر فله عقوبة تعزيزية لا تصل إلى درجة الحد.
غني عن البيان أن جريمة الاغتصاب من أشد الجرائم التي تكون المرأة مُعرضه إليها لأنها تقع على عرضها وجسدها وكرامتها، فضلاً عن الوصم المجتمعي الذي يلاحقها هي وذويها، والذي يدفع الكثير من الضحايا إلى الانتحار، بل ويدفع بعض الأسر إلى الأشتراك مع المجتمع في قتلهن لغسل العار الذي هو عار المجتمع وليس عارهن، فالمرأة حينها تكون بين نارين، نار الأذى الجسدي والنفسي التي خلفتها الجريمة لها، ونار المجتمع الذي لن يتورع أفراده عن دفعها إلى الهاوية، وحينها إما أنها تصمت صمتاً قاتلاً لها وللحقيقة، أو أن تسلم نفسها لقمة سائغة لجلادي المجتمع المتأهبين دائماً لجلد ظهورهن.
فإزاء ما تقدم، فحين نستقرأ نص المادة 267 من قانون العقوبات المصري سيتضح أن القانون يشترط لتحقق جريمة الاغتصاب بأن يكون هناك اتصالاً جنسي طبيعي تام بين الرجل والمرأة، فبالتالي لا تعد أية أفعال غير ذلك من قبيل الاغتصاب (مثل: المساس بالعضو التناسلي بالمرأة، أو وضع شيء آخر فيه، أو إزالة بكارتها (بإصبعه)، أو إتيان المرأة من الدبر من قبيل المواقعة، بل تعد هتك عرض أو شروع في اغتصاب، حسب القصد الجنائي للمتهم، وعليه فإن العقوبة التي تقترن بالفعل تكون السجن المشدد، لا العقوبة المُغلظة لجريمة الاغتصاب المنصوص عليها في المادة 267 من قانون العقوبات المصري، الأمر الذي يتعين معه تعديل نص المادة 267، وتبني مفهوم القانون الدولي الإنساني القائل (بأن جريمة الاغتصاب هي إيلاج العضو الذكري أو أي عضو آخر أو جسم غريب في مكان عفة المرأة “المهبل” عنوة ).
وعليه نطالب المشرع المصري بأن يمضي قدماً في تعديل نص المادة 267 من قانون العقوبات المصري، وأن يتبنى مفهوم القانون الدولي الإنساني في تعريفه لجريمة الاغتصاب بشكل أوسع، لاسيما في ظل انتشار جرائم الاغتصاب والاعتداء على أجساد الفتيات والسيدات المصريات.
المصادر
1-“العنف ضد المرأه” للدكتورمجدي محمد جمعة
2-“حماية المرأه في القانون الجنائي” للاستاذه فاطمه جاسم محمد
3-“شرح قانون العقوبات” للدكتور مصطفي مجدي هرجة
4-“العنف ضد المرأه دراسة تاريخية مقارنة” للدكتور مصطفي كمال عبد الفتاح
5- كود قانون العقوبات المصري