جريمة الفعل الفاضح.. 

إخلال بالحياء العام أم بالحياة الخاصة 

 

مقدمة:  

لا يمكن تناول جريمة الفعل الفاضح المنصوص عليها في المادة 278 والمادة 279 من قانون العقوبات قبل استعراض قول إمام المتقين علي ابن أبي طالب رضي االله عنه : ” والله لو رأيتُ الفاحشة بأم عيني لسترتها بردائي ” ، لاسيما في ظل انتشار ظاهرة التعدي على حياة الآخرين الخاصة ليس من قبل أجهزة الدولة وحسب، وإنما من قبل أفراد المجتمع أيضًا الذين نصبوا أنفسهم كمأموري ضبط قضائي ونيابة عامة وقضاة، بل أن الأمر أمتد للأسف إلى التعدي على حياة الآخرين الخاصة عن طريق تصويرهم بدون أذنهم ونشر ما صَور لهم سواء فيديوهات أو صور على مواقع التواصل الإجتماعي، وبدلاً من أن يتم ملاحقة القائم بهذا التعدي، يتم ملاحقة المتورط في الحادثة من قبل الأجهزة الأمنية بتحفيز من الرأي العام، ويتحول من مجني عليه تم التجسس عليه والتعدي على حرمة حياته الخاصة بغية الحط من كرامته والتشهير به، إلى مجرم متورط في ارتكاب جريمة فعل فاضح.

يحدث هذا للأسف الشديد تحت مظلة قانونية تتمثل في المادة 278 والمادة 279 من قانون العقوبات المصري، بالرغم من تعارض هاتين المادتين مع مواد دستور 2014م ، فالمشرع الدستوري حين تعرض لكلمة كرامة في المادة 51 وصفها بأنها حق لكل إنسان، وحين تعرض للحرية الشخصية في المادة 54 نعتها بأنها حق طبيعي وأنها مصونة ولا تُمس، وحين تعرض أيضًا للحياة الخاصة في المادة 57 أكد على أن لها حرمة وعلى أنها مصونة ولاتُمس، وحين عَرف الحياة الآمنة وصفها بأنها حق لكل إنسان واكد على أن الدولة ينبغي أن تلتزم بتوفير الأمن والطمأنية لمواطنيها، وحين تعرض في المادة 92 إلى مسألة الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن أكد على أنها لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصًا، ولا يجوز لأي قانون أن ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها.

الأدهى من ذلك أن هاتين المادتين لم يتعارضا مع نصوص الدستور وحسب بل مع جاء بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 1966م والذي تتعهد فيه كل دولة طرف في هذا العهد إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، وكذلك مع ما جاء في المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 والتي تنص على أن لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه.

جاءت هاتين المادتين متعارضتين مع فحوى الاتفاقيات الدولية والعهود الموقع عليها من الدولة، برغم من أن المشرع الدستوري في المادة 93 ألزم الدولة بالإلتزام بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها الدولة.         

ما هو إذًا مدلول الفعل الفاضح المخل بالحياء في قانون العقوبات المصري؟    

تنص المادة 278 من قانون العقوبات على أن ” كل من فعل علانية فعلًا فاضحًا مُخلًا بالحياء يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو غرامة لا تتجاز ثلاثمائة جنيه مصري ”
وهدياً لما تقدم؛ فإن المشرع لم يعرف الفعل الفاضح تعريفاً جامعًا مانعًا، تاركًا هذا لقاضي الموضوع، وفي هذا السياق يرى المستشار مصطفى مجدي هرجه بأن مفهوم ” الفعل الفاضح المخل بالحياء تركه القانون عمدًا للقاضي على أساس أنه قابل لأن يتنوع ويتفاوت بتفاوت البيئات والأوساط وأستعداد أنفس أهليهما وعاطفة الحياء عندهم للتأثر ثم أنه يتفاوت بتفاوت الأزمنة ” فما كان بالأمس فاضحًا للحياء قد لا يكون اليوم مقبولًا عند الناس وما يكون كذلك في مجتمع قد لا يكون كذلك في غيره من المجتمعات، ومن ثم فإن المُشرع خول القاضي سلطة تقديرية واسعة في تحديد الأفعال التي يمكن أن تعتبر من قبيل الأفعال الفاضحة، مستهديًا بذلك بأمرين أولهما مشاعر المجموع دون ألتفات لمشاعره هو شخصيًا أو لمشاعر قلة متزمتة  وثانيهما هو ألا يتنازل في تقديره لتلك الأفعال عن مجموعة المعتقدات الدينية والأخلاقية المستمدة من الواقع المصري باعتبارها الإطار العام للمجتمع. 

فالجسامة هي المعيار للتفرقة في قانون العقوبات بين هتك العرض والفعل الفاضح، فإذا بلغ الإخلال بالحياء العام حدًا جسيمًا بحيث يمكن اعتباره اعتداء على الحرية الجنسية للمجني عليه اعتبر هذا من قبيل هتك العرض أما إذا لم يبلغ هذه الجسامة فإنه يعتبر فعلًا فاضحًا. 

 

 أركان جريمة الفعل الفاضح العلني:

 

وفقًا للمادة 278 من قانون العقوبات سالفة الذكر، فإن أركان جريمة الفعل الفاضح العلني تتمثل في الآتي:
1- فعل مادي مخل بالحياء
2- العلانية.
3- الركن المعنوي (القصد الجنائي.)

 

أولًا: فعل مادي مخل بالحياء

 

يتحقق الركن المادي من جريمة الفعل الفاضح بمجرد إتيان الجاني لأي فعل يكون من شأنه خدش حياء الغير، ومن ثم فإنه يتطلب لوقوع هذه الجريمة أن يصدر من الجاني أي فعل يكون فيه إخلالًا بحياء الغير من ذلك.  

ولا بد أن يكون الفعل الفاضح العلني له دلالته الجنسية وإلا نزع منه فعل التجريم والتأثيم فتقبيل الزوج لزوجته قبلة وداع لسفره، فبرغم من أنه يكون في مكان عام إلا أنه لايحمل دلالة جنسية أنما هو تعبير عن شعور الفقد والابتعاد، في حين أن ذات الفعل في مكان عام ولكن ينطوي على دلالة جنسية يعد فعلًا فاضحًا علني وفقًا لما جاء في المادة 278 من قانون العقوبات، ويستوجب بالتبعية العقوبات المنصوص عليه.

ولا يشترط  أن يقع هذا الفعل على جسم الغير أو على جسم الجاني نفسه، ولا يشترط أن يكون الفعل المادي عبارة عن حركة أو إشارة ويدخل في مفهوم الحركة هنا كل إشارة جنسية يأتي بها الجاني نفسه بنفسه.  

ولا يشترط أيضًا أن يكون الفعل الذي يرتكبه الجاني بقصد شهوة جنسية فيمكن أن يكون الهدف هو إثارة شخص آخر أو غيرها من الدوافع ومن ثم تقع الجريمة مهما كانت الدوفع.                                 

 

ثانيًا: العلانية:

 

يتحقق ركن العلانية حينما يكون الفعل الآثم قد تم في مكان عام يرتاده الجمهور دون تمييز، وفي هذا السياق يميز الفقهاء المكان العام الذي يرتاده الجمهور بين المكان العام بطبيعته والمكان العام بالتخصيص والمكان العام بالمصادفة، فالمكان العام فإن الأصل فيه هو حق الجمهور في ارتياده دون قيد كالطرق العامة والميادين والحدائق ولذا يتحقق العلانية دائمًا ولو لم يشاهد أحد الفعل وحرص الجاني على إخفائه كما لو ارتكبه في الظلام وذلك باعتبار أن عمومية المكان تجعل المشاهدة أمرًا مستطاعًا، بينما المكان العام بالتخصيص هو عبارة عن مكان خصص لاستقبال الجمهور في أوقات معينة أو بشروط معينة مجانًا أو بأجر كالمساجد والكنائيس ومحال اللهو وداووين الحكومة وما إليها، أما بالنسبة للمكان العام بالمصادفة فهو كالمكان العام بالتخصيص فهو مكان خاص بحسب الأصل ولا يرتاده الجمهور إلا بصفة عرضة كالسجون والنوادي وعربات النقل والحوانيت.

 

ثالثًا: الركن المعنوي( القصد الجنائي)

 

وفقًا لما جاء في المادة 278 من قانون العقوبات يعتبر القصد الجنائي شرطًا أساسيًا لتحقق جريمة الفعل الفاضح، ويتمثل في عنصرين:
 العنصر الأول: العلم: ويتحقق حينما يعلم الجاني أن ما يقوم به من فعل أنما هو فعل مخل بالحياء خادش للشعور العام.
العنصر الثاني: الإرادة: وهي اتجاه إرادة الجاني إلى أرتكاب الفعل الفاضح. 

وفي هذا السياق يرى المستشار مصطفى مجدي هرجة بأنه ينبغي – وفقًا لما جاء بالمادة 278 من قانون العقوبات – أن يتوافر القصد الجنائي لدى الجاني حتى تتحقق جريمة الفعل الفاضح، ويتحقق القصد الجنائي بمجرد ما يتعمد الجاني من تعريض نفسه للأنظار في حالة منافية للآداب حتى ولو كان قد أتخذ من الحيطة والحذر ما اتخذ.

 

 جريمة الفعل الفاضح الغير علني:  

تنص المادة 279 من قانون

العقوبات على أن ” يعاقب بالعقوبة السابقة كل من ارتكب مع امرأة أمرًا مخلًا بالحياء ولو في غير علانية ”   

هديًا لما تقدم؛ فإن الفعل الفاضح الغير علني هو الفعل الذي يخالف الحياء العام ويثير الشهوة الجنسية، ولكن يرتكب في ظروف تمنع المشاهدة من قبل الآخرين، ويختلف عن الفعل الفاضح العلني الذي يرتكب في ظروف يمكن أن يراها ويسمعها الجمهور.

وبجانب أن الفعل الفاضح الغير علني يعاقب عليه مجرم في قانون العقوبات المصري، فإن هناك بعض الولايات في الولايات المتحدة الأمريكية تجرم الفعل الفاضح الغير علني وأرست قوانين محلية تحدد ما هو الفعل الفاضح وما هو العقوبات المترتبة عليه. 

 

المراجع:

1- دستور عام 2014م
2- كود قانون العقوبات
3- التعليق على قانون العقوبات – المجلد رقم 3-  المستشار مصطفى مجدي هرجة
4- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م